أثار مقال يوم أمس ردود فعل لدى من بقي من الرعيل الأول المؤسس للدولة البحرينية الحديثة (أطال الله في أعمارهم) وصفهم الثاني والذي يتبوأ الآن الصف الأول ويحتل أعلى المراكز في الوزارات والهيئات الحكومية والشركات الحكومية الكبرى والبنوك الوطنية واقترب الآن من سن التقاعد، وكذلك أصحاب المصانع والشركات الخاصة التي تأسست في تلك الفترة من العصر الذهبي للبحرين، جميعهم أكدوا أهمية السؤال لماذا توقفنا؟ وكيف ممكن أن نعيد البحرين للصدارة من جديد؟
وقبل أن أكمل أؤكد أن أساس نجاح البحرين في تلك الفترة هو القيادة التي وضعت رؤية مستقبلية واضحة محددة المهام والوظائف وعرفت من تختار ليقوم بهذه المهمة، وأقصد هنا الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان وأخاه وعضيده ورئيس وزرائه الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة أطال الله في عمره.
فرغم أن سعر البترول كان مرتفعاً حين ذاك، لكنه مرتفع في جميع دول الخليج، لا البحرين فحسب، إنما البحرين هي التي انتهجت واختارت أن تنوع في اقتصادها واختارت أن تستثمر في بنيتها الاقتصادية التحتية فجاءت ألبا والبتروكيماويات وبلكسكو وغيرها، بل وشجعت القطاع الخاص على الاستثمار في الصناعة رغم المجازفة في ذلك الوقت، وعرفت القيادة من تختار ليقوم بهذه المهمة من وزراء ومساعدين لهم، والمرحوم يوسف الشيراوي كان واحداً منهم ومن ضمنهم.
كانت البحرين مرجعاً للصناعة، مرجعاً للتطوير، كانت العلاقات الخاصة لتلك القيادات مع قيادات الدول الخليجية عاملاً مهماً في تذليل العقبات وفتح آفاق التعاون بين البحرين وبين بقية الدول الخليجية، لم تكن هناك مشكلة تتعطل أكثر من يوم، كان الوزير «يطخ بشته» ويذهب بنفسه ولا يعود إلا والعقبة قد زالت، لم يكن القرار يأخذ وقتاً، كانت الإجابة عن أسئلة محدودة كفيلة بإجازة أضخم المشاريع وأكبرها، يسألها الوزير -على سبيل المثال- لاثنين من الشباب تقدموا في أوائل الثمانينات لمشروع كمشروع اليوريا الذي يكلف حين ذاك 200 مليون دينار، أن يجيزه ويقره بل ويطردهما من مكتبه كي لا يتأخرا في التنفيذ «لديكم دراسة؟ سيوظف بحرينيين؟ اذهبوا ونفذوا ماذا تنتظرون؟».
لقد خلق الأمير خليفة بن سلمان تلك الروح التي انتشرت في فريق العمل وقت التأسيس ووقت الاختيارات الأولية، وها نحن نرى ونقر بأن ما وضعوه وبنوه كان حجر أساس لتلك الفترة وهو الوحيد الذي بقي إلى الآن صامداً يرفد اقتصادنا ويشكل قاعدة لبناء كان ممكناً أن يعلو إلى السحاب.
لكنه توقف، تعطل في مكان ما، لسبب ما، نحن بحاجة لتدارس هذه الأسباب، وحدة القرار ومركزيته وسرعة اتخاذه وتنفيذه أحد تلك الأسباب، وكذلك أننا لم نخلق صفاً ثانياً من القيادات سبباً ثانياً، لم نؤسس لقيادات ثانية، الآن تعاني البحرين من شح في الصف الثاني، وقليلة هي القطاعات الاقتصادية التي أعدت صفاً ثانياً ليخلفها، ونستطيع أن نرى تلك القطاعات ونعدها على أصابع اليد الواحدة حيث كان تأهيل القيادات جزءاً من استراتيجيتهم ونظامهم، إنما البقية فمؤسساتهم هرمت وجف ضرعها ولم يظهر منها قيادي واحد، لا على المستوى الحكومي فحسب، بل انتشر هذا الداء حتى على مستوى القطاع المصرفي وهو الرافد الثاني للاقتصاد أين هم قيادات الصف الثاني في هذا القطاع؟ أين هم من القيادات الخليجية المصرفية التي نراها ونسمع عنها في الخليج؟ أين موقع البحرين القيادي؟
هرمت وشابت كل قطاعاتنا الاقتصادية، حتى بوجوهها الجديدة هي هرمة، فالشيخوخة أحياناً ليست عمراً زمنياً بل هي روح، والعديد من القيادات المحدودة الشابة تجده «شيبة» وهو أربعيني!!
حركته محدودة وبطيئة مشاركته على المستوى الخليجي والعربي قليلة جداً، جرأته في السوق تكاد تكون معدومة، الأسماء التي برزت وتسلمت مناصب قيادية في مجالس الإدارات أو الإدارات التنفيذية محدودة جداً، مجلس التنمية الاقتصادي يدوّر أعضاءه وقياداته كتدويره للاعبين في الكراسي الموسيقية، يخلع من هذا الكرسي ويعين في ذاك وهكذا.
دور القيادات كنوعية وكصلاحيات واسعة لهم وروحها الخلاقة الإيجابية واحد فقط من عدة عناصر لا كلها التي ساهمت في خلق العصر البحريني الذهبي، هناك عناصر أخرى عديدة الحديث عنها ووضعها موضع جدل وحوار علني ممكن أن يسهم كثيراً في إعادتنا إلى السكة من جديد.