35 عاماً، هذا هو العمر الحقيقي لمجلس التعاون الخليجي، وهذا هو العمر الذي كان الكثير من الخليجيين يأملون أن يكون المجلس قد تطور بشكل يمكن أن يكون أكثر فاعلية مما كان عليه قبل نحو 30 عاماً من الآن، فثلاثة عقود ونصف كانت كفيلة أن يكون المجلس الخليجي أكثر قوة وصلابة وتطوراً من أي زمان مضى، لكن بعد هذا الزمن الممتد والطويل، بدأت بعض الملاحظات تتسرب حول قدرته وقوته على استيعاب المستقبل بالشكل الذي كانت الآمال معلقة على كتفيه.
كان يجب أن يتطور مجلس التعاون الخليجي وتتطور معه آلياته وتقنياته السياسية، خصوصاً في العقود الأخيرة، وعلى وجه التحديد العقد الأخير من عمر المجلس، فالتحديات التي تواجهه بدأت تكبر وتضغط باتجاه أن يستوعب تغيرات المرحلة، وأن يستوعب المجلس قوة الحمل الملقى على عاتقه بسبب الأوضاع المقلقة في المنطقة. كان يجب أن يكون المجلس أكثر تنظيماً وأكثر وعياً بمتطلبات الحاضر فضلاً عن المستقبل، فحين كان الخليجي في مرحلة ما من عمر المجلس يأمل في جواز سفر موحد وعملة موحدة وبعض القضايا المتعلقة بالعبور بين عاصمة خليجية وأخرى، فإن هذه الآمال التي لم تتحقق إلا في حدود دنيا لم تعد ذات معنى في ظل التحديات الحاصلة والتي هي أكبر بكثير في حجمها من جوازات سفر وعملات وبطاقات للهوية، فما تعيشه المنطقة من احتراب غير معلن وبسبب تسارع وتيرة التغيرات السياسية واللوجستية والاستراتيجية، يكون لزاماً أن يتغير التفكير العام عند دول مجلس التعاون الخليجي، إذ إن المجلس في شكله الحالي لا يستطيع الصمود طويلاً في وجه المتغيرات ما لم تتغير قوة الإرادة العازمة على استيعاب ما يحدث وما قد يحدث بسبب ما نشاهده من طفرات في الأحداث السياسية والعسكرية، وهذا الأمر يعتبر من أكبر التحديات التي يجب أن يستوعبها المجلس ليبني على إثرها الكثير من الاستراتيجيات الجديدة وفق معطيات التغييرات الحاصلة.
حتى يتطور أداء المجلس ولكي يستطيع دخول المنطقة من أوسع أبوابها ويكون له فصل الخطاب، يجب عليه أن يقوم بتغيير الكثير من القوانين الخاصة بمنظومته التي كانت صالحة لعصر من العصور السالفة، والتي أصبحت اليوم وبكل تأكيد غير صالحة في عصر التحديات العملاقة، وهذا الأمر هو الذي يجب أن ترتكز عليه فكرة التطوير، والذي يتطلب أيضاً دقة في توصيف الوضع الإقليمي بشكل مفصل، حتى تتشكل بعض القرارات من منطلق تحسين جودة عمل المجلس، وقبل كل هذا وذاك، يجب أن نؤمن بوجود مقدمات علمية وواقعية للتغيير المفترض في عمل مجلس التعاون الخليجي، والتي من دونها سنكون كالذي يحفر على صفحات وجه الماء في وقت العواصف والأعاصير.