تحدثنا يوم أمس عن الكثير من التحديات والمعوقات التي تعتبر حجر عثرة رئيسة في وجه تقدم وتطور مجلس التعاون الخليجي، وأن التغيير يجب أن يكون من الداخل بفعل ما يحدث في الخارج من تغيرات إقليمية ثقيلة، إذ لم يعد المجلس في شكله الحالي يستوعب كل تلكم التغيرات ما لم ينسجم مع متطلبات المرحلة الراهنة بكل همومها وتفاصيلها وإرهاصاتها.
ما كان يجب التركيز عليه من أجل الوصول إلى متطلبات هذا الأمر، والذي يجب أن تتم معالجته وفق السنن السياسية، هو أن يتم التغيير بشكل سلس ووفق الخطط التي رسمها المجلس منذ تأسيسه، وحتى هذه اللحظة الصعبة، فحين تم طرح الجواز الموحد أو العملة الموحدة أو بعض القضايا والأفكار والمشاريع المتعلقة بالاقتصاد المشترك فيما يخص قوانين الشحن والجمارك والتصدير والاستيراد وغيرها من القضايا الاقتصادية والسياسية الأخرى المشتركة، كان حينها لابد من أن تكون لهذه السقوف والآمال والطموحات برامج زمنية محددة، ولو تحرك المجلس وفق هذه الأزمنة التي ربما تحددت في فترة من فتراته، لكنا اليوم قد وصلنا إلى مراحل متقدمة فيما يتعلق بالتعاون والتنسيق الكامل حول قضايا مهمة للغاية، قد نعتبرها اليوم قديمة وغير منتجة لو تم طرحها في مقابل كل التحديات التي تواجهنا في وقتنا الراهن، لكن، لو تم تطبيق كل الخطط والاستراتيجيات المتعلقة بعمل المجلس وبعض تفاصيله السياسية والاقتصادية البسيطة والسهلة حينها، لربما اليوم وصلنا إلى مراحل متقدمة فيما يخص الكثير من التحديات التي تواجه المجلس وأبناء المجلس.
لا يمكن للمجلس أن يقفز فوق المقدمات، فهي ضرورة ملحة لاستكمال المشهد العام لهيئته وتفاصيل وجوده، فما لم يتقدم المجلس الخليجي بخطوات طبيعية كمقدمات لأمور أكثر أهمية فإن التطور والتطوير سيصبح في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً جداً، فبعض المقدمات التي طرحناها الآن هي حاجة ملحة ومقدمات منطقية وعلمية لعملية التطوير الأكبر.
هذا الأمر ليس مقترحاً عابراً وليس خيالاً سياسياً أو ترفاً اقتصادياً نبديه عبر الفرش الوارفة، كما أن هذا الأمر ليس من الكماليات التي إن تمت «فبها» وإن لم تتحقق لن يضر المجلس شيء، بل هي من ركائز فكرة التطوير. نحن لا ندعو مجلس التعاون الخليجي ليفكر كثيراً في العملة الموحدة والجواز الموحد وغيرها من المقترحات التي كانت متداولة مع بدايات المجلس، ولا ندعوه هنا لدراسة هذا الأمر وإنشاء لجان ومؤتمرات للتحقق من فائدته، بل هي ضرورة ملحة وعلمية ومنطقية للتغيير نحو التكامل، فما لم تبنَ كل هذه المقدمات في هذه المرحلة، سيكون من الصعب الحديث عن بقية التحديات الكبرى في عصرٍ لابد أن نستوعبه وندخل فيه بقوة حتى لا نظل كهامش في صخب المتغيرات الإقليمية والدولية، وهذا ما يجب أن يسعى إليه مجلس التعاون الخليجي ويستوعبهُ على عجل، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه فإنه سوف يقضي على آمال وطموحات ست دول تمتلك من خيرات التغيير الكثير، والقرار الأخير بيدها.