هنا صورتان متناقضتان، أمين عام منظمة «حزب الله» المصنفة خليجياً وعربياً كمنظمة إرهابية يردد في كل حين أن هذا الحزب لا يتلقى أوامره من إيران ولا علاقة له بها، وأن كل ما يقال في هذا الخصوص دعاية مغرضة يراد منها الإساءة، ومع هذا عرّض نفسه للخطر – وهو الذي يلقي خطاباته من وراء حجاب لأسباب أمنية – وذهب ليهنئ حسن روحاني في طهران بمناسبة انتخابه رئيساً.
صورتان ممتلئتان بالتناقض، فمن يقول إنه لا يتلقى أوامره من طهران ومع هذا يغامر ويذهب في رحلة سرية محفوفة بالمخاطر ليلتقي بروحاني ويهنئه بتمكنه من العرش، وهو المهدد بالاغتيال في أي لحظة – كما أعلن في مقابلته الأخيرة مع فضائية «الميادين» والتي أكد فيها أيضاً أن ذلك اللقاء استمر نحو خمس ساعات – إما أنه لا يقول الحقيقة فيما يتعلق بالدعم الإيراني والعلاقة بين منظمته وإيران، أو أنه قام بتلك الرحلة في لحظة فقد فيها عقله. ذلك أن مثل هذه المسألة صعب استيعابها.
لولا أن أمراً مهماً يربط بين هذه المنظمة وإيران لما غامر أمينها العام المهدد بالموت في كل لحظة وسافر في رحلة كلها مخاطر إلى طهران، خصوصاً أن مسألة الذهاب فقط لتقديم التهاني لروحاني يصعب استيعابها، فمن هو في وضعه يمكن أن يقوم بهذا «الواجب» من دون أن يغادر مكانه، والأكيد أن روحاني سيعذره.
في المقابلة التي استمرت ثلاث ساعات متتالية، وأعطي فيها الحرية ليقول ما يشاء من دون أن يجرؤ مدير الفضائية الذي أدار الحوار على مقاطعته، حرص نصر الله على عدم ذكر الفترة التي قام فيها بذلك «الواجب»، وركز فقط على أنها قد تمت وأنها كانت ناجحة، وبدا فرحاً بذلك وفخوراً، فهل بعد كل هذا يمكن لأحد أن يصدق أنه لا توجد علاقة وتكامل بين هذه المنظمة وإيران؟ وهل يمكن لأحد أن يصدق أنه فقط التقى روحاني وهنأه وعاد؟
«نصر الله» لم ينتبه إلى أنه بذلك الكلام فضح علاقته مع إيران و«ولاية الفقيه»، وأكد أن قصة السفر إلى طهران للتهنئة لم تكن إلا «علثة»، فمثل هذه المغامرة الخطرة لا يمكن أن تتم فقط لتحقيق هذا الأمر، تماماً مثلما أن غسان بن جدو لم ينتبه في ختام المقابلة إلى أنه اعترف بأن المقابلة أجريت خارج استديوهات فضائيته «الميادين». لكن هناك أمراً آخر مهم أيضاً، هو كيف أمكن لهذه المنظمة أن ترتب تلك الرحلة لأمينها العام فيسافر ويلتقي بمن يريد أن يلتقي به ويعود من دون أن يعلم أحد بهذا الأمر؟ ألا يعني هذا أن هذه المنظمة متمكنة من لبنان، بحيث إنه حتى المخابرات اللبنانية لم تتمكن من معرفة شيء عن هذه الرحلة؟ وألا يعني هذا أن التنسيق بين هذه المنظمة وإيران هو على أعلى المستويات، بحيث يمكن مغادرة نصر الله وعودته سالماً غانماً من دون أن يعلم أحد بشيء بما في ذلك المخابرات الأمريكية؟
وضع كهذا يخيف فعلاً ويعين على الاستنتاج بأن إيران و»حزب الله» تمتلكان القدرة على تهريب كل شيء، أشخاصاً وأسلحة، إلى بلدان كثيرة من دون أن ينكشف أمرهما، أي أن نفي نصر الله لدعم ما اعتبره «معارضة» في البحرين كان لمجرد تبرئة ساحة الحزب، وهو لا يختلف عن نفي إيران لهذا الاتهام الذي تصدح به فضائياتها نهاراً وليلاً.
هل يعقل أن تقف هذه المنظمة وإيران مكتوفتي الأيدي، وهما تريان ما تزعمانه بأنه «ظلم يتعرض له شعب البحرين»؟ هل يعقل ذلك وهما يمتلكان القدرة على «تهريب» حسن نصر الله من بيروت إلى طهران بهذه السهولة؟