أستاذ العلوم السياسية الإماراتي البروفيسور عبدالخالق عبدالله كتب منتقداً منتقدي حقوق الإنسان في بلاده ومنزعجاً «كل من هب ودب أخذ ينشر تقارير عن وضع الحريات وحقوق الإنسان والاعتقالات والتعذيب في الإمارات. معظم هذه التقارير مسيسة وتفتقر للمصداقية». أما الجواب على هذا القول فهو أننا في البحرين مررنا قبلكم بهذه التجربة وعانينا منها وقد توصلنا إلى قناعة ملخصها أن تلك التقارير صارت بضاعة صالحة للمتاجرة وأداة ابتزاز يشهرها كل من يريد السوء ببلاده أو بأي بلاد، فليس أسهل من القول إن حقوق الإنسان منتهكة في هذه البلاد أو تلك وليس أسهل من القول إن السجون مليئة بالمعتقلين ويمارس فيها التعذيب بأنواعه، وليس أسهل من استصدار بيان من هذه المنظمة «الحقوقية» أو تلك، وليس أسهل من نشر تلك المنظمات تلك التقارير والعمل بكل ما تمتلكه من قوة ونفوذ لإقناع العالم بأنها صحيحة ودقيقة.
نقول للبروفيسور عبدالخالق ليس «معظم هذه التقارير مسيسة وتفتقر للمصداقية» ولكن كلها ينبغي عدم تصديقها والأخذ بها لأنها كلها مسيسة وتفتقر للمصداقية، ولأن من أصدرها اعتمد على ما وصله من طرف واحد فقط هو المدعي ولم يكلف نفسه معرفة ما لدى الطرف الآخر من معلومات. يقول العرب الأولون ما معناه أنه إذا جاءك الشاكي وقد وضع عينه في راحة يده فلا تستعجل بالحكم له فقد يكون المشتكى عليه قد اقتلعت عيناه الاثنتان. هذه قاعدة مهمة في إصدار الأحكام لكنها غير معتمدة لدى المنظمات الحقوقية على اختلافها، فهي تصدق المدعي طالما أن فيه «ريحة» معارضة ولم يكن حكومة، وتعتبر أن كل ما يأتيها من الحكومة -أي حكومة- غير صحيح وغير دقيق إن لم تقل عنه أنه ادعاء وكذب.
تقارير المنظمات الحقوقية لم تعد لها مصداقية، وهي في كل الأحوال جاهزة تنتظر أي سبب لتنشرها، يكفي أن يهاتفها أي شخص ويدعي أنه تعرض للاعتقال أو تم تعذيبه لتسارع بنشر تلك التقارير من دون أن تتحقق من صحة المعلومات التي توفرت لها، فالمهم عندها هو أن تصدر تلك التقارير، والمهم عندها هو أن تشعر الحكومات بأنها مؤثرة ويمكن أن تلوي ذراع من تشاء.
كل هذا مررنا به هنا خصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة التي توفر للبعض فيها الدعم الإعلامي وغير الإعلامي اللامحدود من إيران وغير إيران، ومن المنظمات الحقوقية الدولية وغير الدولية والتي عملت كفريق واحد يصدر أحدهم تقريراً حقوقياً يضمنه ما شاء له من ادعاءات ويقوم الآخر بنشره وبثه والتعليق عليه ومحاولة إقناع حتى من صاروا يعرفون اللعبة بأن ما يقولونه صحيح ودقيق ولا يمكن التشكيك فيه.
ولأننا مررنا بهذه التجربة لذا فإن من الصعب علينا تصديق أي تقرير يصدر عن أي من هذه المنظمات يدعي فيها ما تفضلت بالإشارة إليه، لا نشكك فيه فقط ولكن نجزم بأن كل أو على الأقل جل ما احتواه من معلومات غير صحيحة، فهذه المنظمات تركض بالمعلومة من دون أن تتحقق منها، وحتى لو طلبت من الحكومة الرد على تلك الادعاءات قبل إصدار بيان بها وحصلت عليه وعلى كل المعلومات المدعومة بالأرقام فإنها لا تأخذ بها لأنها تعتقد أن من غير الممكن أن توفر الحكومات معلومات صحيحة وأنه لا يهمها سوى تبرئة ساحتها.
مازلتم في البداية أيها البروفيسور، وإذا كانت تلك التقارير تصدر حتى الآن من غير انتظام فاعلم أنها ستصدر بعد قليل بانتظام وقد تصير بشكل يومي. الفارق الوحيد هو أنك بسبب كثرتها لن تنزعج منها لأنك تكون مع الكثيرين قد عرفتم ما عرفناه عنها وتعودتم عليها.