جزيرة سكانها متعددو الأديان وأصحاب الديانة الواحدة متعددو المذاهب، كيف ممكن جعلهم نسيجاً اجتماعياً واحداً متماسكاً والجغرافيا والتاريخ يمزقان بعض هذا النسيج ببعضه؟
إن أول مهمة تطلع بها أي دولة وحكومة مركزية في هذه البقعة الجغرافية هي جعل وصهر ودمج وإعادة تشكيل هذا الخليط ضمن بوتقة واحدة ولا تترك هذه المهمة للزمن أو للظروف أو لهذه الأطياف وحدها، بل هي مهمة دولة، ومشروع لحكومتها تكلف به كافة أجهزته مجتمعة وتحاسب حكومته عليه إن فشلت في إنجازه.
عملت الدولة الكثير في هذا «المشروع» بشكل متفرق لا ضمن إدارة مركزية له، فعلى صعيد التشريعات استمدت شرعيتها كوحدة جامعة من التاريخ الجامع لهذه الجماعات على هذه الأرض فوضعت دستوراً منظماً من لحظة استقلالها، وأصدرت الوثائق الوطنية كالجواز ووضعت علماً وسلاماً وطنياً، وعلى صعيد الجغرافيا بنت الجسور التي ربطت الجزر وأنشأت الطرق السريعة التي وحدت الأرض ومن عليها ضمن حدود جغرافية سهلت التنقل بين أجزائها وربطت هذه الوحدة الجغرافية بعمقها الاستراتيجي العربي والإسلامي والجغرافي أي بالجزيرة العربية ودولها وأصبحت عضواً في منظومة خليجية وجامعة عربية.
هكذا تهيأت الظروف التاريخية والجغرافية لدمج هذه الأطياف في بوتقة وسهلت عليها الدولة الانصهار، فهل أكملت مهمتها؟ أم مازالت المهمة عالقة؟ وهل تركت هذه الأطياف دون تهديدات وتحديات ونوازع التغريب والتفتيت والتشرذم القديمة والجديدة التي تزرعها القوى الطامعة في هذه الأرض؟
ما أكثر ظواهرنا التي تؤكد أن العملية والمهمة لم تكتمل بعد، بل إن ما أنجز هو الآخر معرض للذوبان والفناء، وما أكثر الظواهر التي تؤكد أن فيروسات التمزيق الداخلي مازالت قوية لم تهزمها كل جهود الدولة التي بذلتها على مدى 200 عام.
المذاهب مازالت ممزقة والأعراق مازالت مفتتة القديمة منها والجديدة زادت عليها تمزيقاً، ودخلت علينا القوى العظمى إلى عقر دارنا ترى فينا دولاً سنية ودولاً شيعية وتخاطبنا متعمدة بلغة الأغلبيات والأقليات لتعزز فينا التفرق والتمزق بقصد خبيث لا يمكن أن يترك للعفوية والتلقائية موقعاً، خاصة وهي تلوح بمشروع شرق أوسطي جديد قائم على تفتيت المفتت وتمزيق الممزق.
وأسبغت الدول الإقليمية مظلة وصايتها على بعضنا فسحبت منهم إقراراً بولاء وبمرجعية تقصيهم عن فصائلهم وجذورهم، وهذا بعض من كثير من الممزقات والمباعدات والمفتتات الجينية والتي طرأت على أطيافنا البحرينية وبعضها قديم وأعيد تجديده، وبعضها زرع جديد أينعت بذوره الشيطانية المفرقة، والدولة تبدو وكأنها قد اكتفت بتلك الجهود التقليدية المتواضعة التي قدمتها قبل مائة سنة.
كيف لنا إذاً أن نطرح إشكالية التبعية والوطنية خارج هذا السياق ومراجعة وتقييم عناصر اكتمال مهمة الدولة من عدمها؟
فهل أكملت الدولة تشريعاتها الملزمة لمواطنيها حتى تحاورهم في مسألة الوطنية والتبعية؟ وهل نفذت وطبقت الدولة ما شرعته من قوانين أم أنها تغاضت وتهاونت وسهلت تجاوزها ومخالفتها؟ هل حفزت على الاندماج والانصهار؟ هل ذللت العقبات؟ هل وضعت العقوبات الرادعة وهل أنفذتها؟
مهمة «الوطنية الملزمة» هي مشروع دولة وليست مشروع جهاز في الدولة، يوضع له تاريخ يحدد توقيت لإنجازه وتكلف به كافة أجهزة الدولة، ويقيم في منتصف المدة ويقوم إن احتاج إلى تقويم، إنما لا يترك للظروف أن تكمله.