لم تهز انفجارات بروكسل مطارها أو المترو القابع وسطها فقط، بل هزت تلكم الانفجارات كل أوروبا، فسمع دويها كل من سكن القارة العجوز، فانهارت على رؤوسهم ذكريات الحادي عشر من سبتمبر وتفجيرات قطارات مدريد وآخرها تفجيرات باريس، وحتى هذه اللحظة لم يستفق الأوروبيون من هول الصدمة. نعم إنه الإرهاب يضرب أوروبا.
بين شامت ومعز تتضح قوة الصورة التي خلفتها الانفجارات في وعي المجتمعات والشعوب العربية والإسلامية، فالبعض من المتطرفين يعتقدون أن «أحفاد الصليبيين» يستحقون الموت بهذه الطريقة، بينما يرى آخرون أن الانفجارات التي طالت بلجيكا تعتبر عمليات جبانة دنيئة وإرهابية بامتياز لأنها طالت الأبرياء، وبين هذين الرأيين يقع الرأي الثالث، وهو التأكيد التام على إدانة هذه الجريمة النكراء مع ضرورة البحث عن المشكلة ومعالجتها وتغيير وجهة النظر الأوروبية حيال الإرهاب في إطارها العام، بمعنى أنه يجب على الغرب أن ينظر إلى الإرهاب في كل العالم بمسطرة واحدة، فأمور كالقتل والتفجير والتفخيخ لا يجوز أن تحدث في كل دول العالم دون وجود استثناءات بينها، وليس أن نجرمها إذا حدثت في أوروبا فقط ونباركها في دول أخرى. هذه من أكبر المؤاخذات التي يمكن أن تلام على إثرها كل الإدارات الغربية في تعاملها مع قضايا الإرهاب، فمازالت الازدواجية هي مسطرة الغرب في محاربة الإرهاب، وهذا الأمر من أخطر الأخطاء التي وقعت فيها أوروبا وأمريكا أيضاً.
نحن ندين تفجيرات بروكسل بأشد أنواع العبارات حتى من دون أن تطلب منا أوروبا، بل من الممكن أن يتعاون كل العرب مع أوروبا في سبيل القضاء على الإرهاب عندهم، بينما حين تزلزل العمليات الإرهابية الضخمة واليومية أرجاء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، لا نجد من الدول الغربية سوى الصمت القاتل أو الإدانات الباردة جداً، والتي تنتهي بانتهاء دفن الموتى أو عند تفحم جثثهم في الشوارع والأسواق وعند النقاط الأمنية التي تحرس أمن الشعوب العربية!
باتت أوروبا كلها - وليست بروكسل فقط - أضعف من أن تجابه الإرهاب بمفردها، فهذه الدول التي لا تمتلك جيوشاً نظامية قوية، والتي تقوم منظومتها على مفهوم الديمقراطية والحرية واحتواء المختلف، لديها خياران، إما أن تتحول إلى دول بوليسية تطارد كل من يسير في الشوارع، وبهذا تفقد قيمها ومبادئها القائمة على الديمقراطية التي عرفت بها منذ عشرات السنين، ومعها تخسر كل سياحتها واقتصادها المترنح أصلاً بعيد الأزمة المالية العالمية، أو تحافظ على كل هذه الثوابت والمضامين والمكتسبات الكبرى التي تقوم عليها أوروبا مقابل أن تعيش القلق المستمر من الإرهاب الذي قد يطالها في أي وقت.
الحل الوحيد والمثالي لأوروبا في محاربتها لطاعون العصر هو أن تتعامل مع الإرهاب في كل دول العالم بمسطرة الحق والعدالة دون الخوض في تفاصيل مصالحها المؤقتة، والكلمة الأكمل في هذا المضمار هي أن تتعاون كل الدول على تجفيف منابع الإرهاب ومحاصرة فكره وجماعاته وضرب معاقله بيد من حديد حتى تتخلص شعوب الأرض من إجرامه وفكره ورجالاته، وحينها ستأمن أوروبا كما تأمن بقية الدول الأخرى من جحيمه وفكره إلى الأبد.