هذه الجملة وددت لو أبرزت بشكل واضح في التغطيات الإعلامية المعنية بافتتاح مؤتمر الشباب الدولي يوم أمس، لأنها قيلت في سياق مميز، وقائلها شخص مميز. هذه الجملة التي أتفق قلباً وقالباً مع قائلها، لا تصدر إلا عن شاب يعشق التحدي ويصر على ألا تكون أمامه عوائق تتمثل بالمبررات التقليدية التي تعودنا عليها في مجتمعاتنا، والتي تقف أمام تحقيق طموحاتنا وأحلامنا بل وقد تحطم جذوة الحماس فينا، خاصة تلك النقطة المتعلقة بالسن وأقدمية الناس بناء عليه. طبعاً قائل العبارة هو راعي الحفل وأول المتحدثين فيه بكلمة ملهمة رائعة، سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة نجل جلالة الملك حفطه الله، وممثله الشخصي لشؤون الشباب ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة. هذه الجملة قالها الشيخ ناصر بوضوح، وبين أنها بالنسبة له تمثل «شعاراً» و»معادلة» دائماً ما يتذكرها في أي عمل وخوض أي تحد، فالأفضلية بالفعل ليست بالأقدمية بالسن وتبوء المناصب، بل هي بالأعمال والنجاحات والاجتهادات وتقديم القيمة المضافة والتميز والإبداع، والتي كلها يمكن أن يحققها الفرد حتى إن كان ناشئاً أو مراهقاً أو في ريعان شبابه، طالما امتلك الإرادة واعتراه الحماس واستثمر الفرص المتاحة. أركز عليها لأنني عشتها شخصياً في مجتمع سادت فيه نظرة خاطئة جداً، يردد فيه لسان بعض -من يعتبرون الأقدمية هي الأفضلية ولا شيء غيرها- مثل شهير مفاده «أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة»! وهي مقولة مضللة هدفها كسر شوكة الشباب الطامح المتحمس. والله رأيتها أمام عيني، محاولات لقتل حماس الشباب، والاستهزاء بمساعيهم، وتكسير مجاديفهم، وللأسف تصدر من أناس أمضوا عقوداً في مواقع مسؤولية، وأفنوا أعمارهم في قطاع معين، لم يقدموا فيه مثلما قدم فيه هذا الشباب في زمن قصير جداً، واعتبروا ما يأتي به هؤلاء الشباب في بداية انطلاقتهم مؤشرات صريحة على تهديد مواقع أصحاب «الأقدمية».
نعم، هذا واقع مؤلم له شواهده، لكننا نقول ولله الحمد، فمؤتمر يوم أمس، وكلمة سمو الشيخ ناصر القوية فيه، كلها مؤشرات على أن هذا «النمط» من التفكير وهذه القناعات الجامدة باتت سلعة بائرة اليوم، فالبحث عن الشباب الطموح، الشباب الكفء المؤهل المميز المبدع القادر، هو التحدي أمام الدولة وأي دولة في العالم تريد أن تتطور وتتفوق وتنافس وتسجل اسمها في سجل المتميزين.
لذلك أشكر سمو الشيخ ناصر بن حمد شكراً خاصاً، على وقوفه أمام مئات من المشاركين والشخصيات ومن ضمنهم مسؤولون وسفراء وإعلاميون، ليرتجل كلمة مفعمة بنبض الشباب، قوية في مضامينها ورسائلها، ملهمة لحماس الشباب، وتعتبر دافعاً ومحفزاً قوياً لهم. والملاحظة الأهم هنا، أنها كلمة تجرد منها صاحبها من كل حاجز مع المستمعين والحضور، فنعم ناصر بن حمد ابن ملك البحرين، لكن هذا لم يمنعه من القول بصراحة إن معيار النجاح لا علاقة له بمكتسبات عائلية ولا كون الشخص ابن فلان أو علان، ولا أن يكون صاحب ثروة وجاه وغنى، معيار النجاح هو الفرد نفسه، الذي بيده تقرير كونه «ناجحاً» أو «فاشلاً»، وأن مقولة «ابن فلان» أو «صاحب الثروة»، تدفع للتفكير بأساس صناعة ذلك، فـ»فلان» و»صاحب الثروة» لو ترجع لبدايات كل حالة ستجد أن أساسها «قصة نجاح»، وراءها سعي وثبات ومثابرة واجتهاد من «إنسان عصامي»، عمل بجد ونجح وتميز وصنع امتداداً عائلياً له يستفيد من نجاحه، وعليه قال الناس عن أبنائه بأنهم أبناء فلان، لكن ذلك لا يعني أن الأبناء يتقاعسون أو يتكاسلون.
وبناء عليه -والقول لسمو الشيخ ناصر- فإن كل شاب يخطئ تماماً لو وضع العقبات أمامه قبل أن يبدأ رحلته، عليه أن يحول العقبات إلى تحدٍّ، عليه أن يكسر المستحيل بالإرادة والتصميم، ليصنع له مجداً وتميزاً، وليكون هو «فلان» الذي سيقول المجتمع عن أبنائه بأنهم «أبناء فلان». هذه جزئيات من كلمة الشيخ ناصر الجميلة، والتي رأيت أن الأخبار الرسمية لم تتطرق لها بتفاصيلها، مع تسجيل الشكر والتقدير لوزارة الإعلام لبثها وقائع الافتتاح وكلمة الشيخ ناصر، والتي أرى بأنها من الضروري استثمارها بنشرها على نطاق واسع، وأن تصنع منها «روابط إلكترونية» على موقع «اليوتيوب» لتبث وتنتشر بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي. هنا لسنا نجامل سمو الشيخ ناصر على الإطلاق، فهو أصلاً لا يحتاج لمجاملة أو مديح، لكننا نقول إن حضوره البارز في ميادين دعم الشباب وتحفيزهم مسألة تستوجب تقديره عليها، وأن نفخر بوجود قائد شبابي ملهم للآخرين، ناجح في مساعيه، مثابر بتدريباته واستعداداته، وأن كلمته المرتجلة «مميزة» و»تبهر» من يستمع لها، وهو قول أجزم بأن يفهم مضامين مثل هذه الكلمات ويحلل رسائلها لن يختلف معي البتة.
هنيئاً للبحرين وشبابها وجود شخصية مثل ناصر بن حمد، وشكراً لجلالة الملك على منحه الثقة بتوليته ملفات الشباب والرياضة فهو أهل لهذه الثقة، وهنيئاً لشباب البحرين وجود وزارة للشباب والرياضة يقودها وزير شاب طموح، هو بحد ذاته «قصة نجاح» كالأخ هشام الجودر، فالفعاليات المستمرة للشباب والاهتمام الذي يحظون به رائع بكل ما تعنيه الكلمة.
ألا تلاحظون بأن الشباب في البحرين بات لهم نصيب الأسد في الفعاليات والنشاطات؟!
نعم، هذا هو الصحيح، وما نأمله أن يكون لهم النصيب الأكبر في منح الثقة وتمكينهم في المناصب ليصنعوا للبحرين مستقبلاً أجمل وأكثر حيوية.