مصالح الولايات المتحدة اليوم لدى إيران أكبر من مصالحها لدى دول مجلس التعاون الخليجي، والدليل هو غضها لبصرها عن جل إن لم يكن كل أخطاء وتجاوزات إيران وعدم الالتفات حتى إلى تهديداتها لجيرانها -التي يفترض أنها تحظى بالأولوية- وتكرار محاولات تدخلها في شؤونها الداخلية. هذا أمر صادم لكنه حقيقة لم تعد تقبل التشكيك، فلو أن الولايات المتحدة لم تقع في هوى إيران لاتخذت منها موقفاً حاسماً ولعرفت كيف توقفها عند حدها. ولأن إيران تعرف هذه الحقيقة جيداً لذا صارت تلعب على المكشوف ولا تبالي وليس بعيداً أن ترتكب حماقات في حق دول المجلس، وعلى الخصوص السعودية والبحرين.
«من أمن العاقبة أساء الأدب»، هذا مثل عربي شهير معناه واضح ويسهل التعبير به عن الذي تفعله إيران اليوم، فهذه الجارة الضارة تعرف أن الولايات المتحدة لن تكتفي بغض البصر والادعاء بأنها لا ترى أي ممارسة خاطئة تقوم بها إيران ولكنها على استعداد لتوفير المبررات اللازمة والدفاع عن موقف إيران، أياً كانت درجة الخطأ فيه.
هذا تغير ملحوظ ينبغي مراعاته والعمل على تغييره، ذلك أن اعتماد الولايات المتحدة إيران كشرطي للخليج يعني باختصار تمكين حكومة الملالي من تنفيذ كل ما تريده من دون تردد، ويعني فتح الباب على مصراعيه لابتزاز دول مجلس التعاون من قبل إيران والولايات المتحدة معاً، ويعني أيضاً أن مسألة تعبير إيران عن أطماعها في البحرين واردة في أي لحظة ولكن بشكل فج وعلى لسان «كبار القوم» وليس تابعيهم كما هو الحاصل حتى قبل يومين.
اليوم وبحكم التطور الجديد في العلاقة مع الولايات المتحدة يمكن لإيران أن تفعل أي شيء من دون تردد، خصوصاً بعد الموقف السلبي الذي اتخذته الولايات المتحدة من موضوع إطلاق الصواريخ الباليستية، والذي اعتبرته وكأنه لا يستحق حتى الالتفات إليه بل لم تعتبره موضوعاً، والأكيد أن حكومة طهران ستعتبر هذا الموقف إشارة خضراء من أمريكا لتعربد على هواها.
ولأن هذا الأمر خطير، خصوصاً مع انتشار الأخبار عن لقاءات سرية تمت بين الجانبين قبل وبعد توقيع الاتفاق النووي، لذا ينبغي من دول التعاون أن تأخذ الأمر بكثير من الجدية وتتعاون على تغيير هذا الواقع الجديد الذي لا يصب في مصلحتها وضرره واضح عليها جميعها من دون استثناء.
استمرار هذه الحال نتيجته المنطقية أن تفعل إيران كل ما تريد وألا تتمكن دول التعاون من فعل أي شيء خصوصاً إن كان يؤثر على العلاقة بين إيران والولايات المتحدة ويجرح «شهر العسل» الذي تقضيانه على حساب دول التعاون.
بالتأكيد للولايات المتحدة مصالح في دول التعاون، وهي من دون شك لن تفرط فيها، ولكنها اليوم أمام مصالح جديدة تتحقق عبر تطوير علاقتها مع إيران، وهو حقها، ولكن هذا الأمر تتضرر منه دول المجلس بشكل تلقائي، فإيران مهتمة بتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة أملاً في تحقيق أهداف معينة لا يمكن لدول التعاون أن تغفل عنها، ولا للولايات المتحدة طبعاً، وإن كانت هذه لن تبالي طالما أن مصالحها تتحقق بتطوير علاقتها مع إيران وطالما أن التحركات الإيرانية المكشوفة قد تفتح لها أبواباً جديدة لابتزاز كل المنطقة.
اليوم لا تغض الولايات المتحدة بصرها عن إطلاق إيران صواريخها الباليستية فقط، ولكن يمكن أن تغض بصرها وتغلق آذانها عن أي حماقة يمكن لإيران أن ترتكبها في حق أي دولة خليجية. أرجو أن تثبت الأيام والأحداث أن هذا التفكير خاطئ وغير منطقي وغير واقعي وناتج عن قراءة متشائمة أو حتى متحاملة على حكومة الملالي.