قبل أيام مضت، تم افتتاح معرض البحرين الدولي السابع عشر للكتاب، والذي تشارك فيه نحو 380 دار نشر ومؤسسة فكرية محلية وعربية، كما قامت بموازاة تلك المشاركات الكثير من البرامج الثقافية برفقة المملكة الأردنية الهاشمية، حيث رأينا العديد من المشاهد الثقافية والفكرية، بالإضافة إلى الفعاليات التي تقدمها جهات ثقافية متعاونة، وأنشطة مختلفة لتدشين الكتب وغيرها. هذا وتستمر دور النشر والمؤسسات الثقافية طوال أيام المعرض في تقديم إصداراتها الثقافية والفكرية والأدبية ومن بين المشاركين مكتبات رائدة، ومؤسسات، ودور نشر، بالإضافة إلى جهات أهلية ومشاريع فكرية مميزة، لتنتجه كل هذه المؤسسات إلى جمهور القراءة والكتاب بمحتوى أدبي، وعلمي، وثقافي، وفكري، وتعليمي، يصل إلى جميع شرائح وفئات القراء. وتعزيزاً للتجربة الثقافية في معرض البحرين الدولي للكتاب، تضع هيئة الثقافة جمهور الكتاب وجهاً لوجه مع مجموعة من الأدباء والكتاب والمفكرين البحرينيين والعرب، وذلك عبر جناح خاص لتوقيع الكتب، سيشهد يومياً إيداع المكتبة العربية بنتاج جديد. انتهى وصف المشهد.
هذا الحراك الثقافي والأدبي الرائج في البحرين هو من أبرز المشاهد الإيجابية التي تلاحظ في الآونة الأخيرة، والتي يمكن أن تساهم بدرجة كبيرة في نشر الوعي بين أفراد المجتمع، كما أن هذه التظاهرات الثقافية والعلمية هي التي ربما تدفع بشبابنا نحو التغيير والاستنارة والاستفادة من تجارب أصحاب الخبرات من كتاب ومؤلفين، فالكتاب اليوم هو سلاح الشعوب ضد الجهل والجمود والتخلف، وليس شيء سواه.
ما هو أكثر أهمية من كل ذلك هو ما بعد «معرض الكتاب»، إذ ليس الهدف المنشود من المعرض هو أن يقوم الناس -خاصة الشباب منهم- بشراء الكتب وجمعها في رفوف مكتباتهم من أجل التباهي بها وبكمياتها فقط، فالكتب للقراءة وليست للزينة، وهي المحرك لمجرى الوعي لدى الإنسان، كما أنها ليست ترفاً ثقافياً جامداً لا يتحرك، ولهذا فالاستفادة الحقيقية تأتي بعد المعرض وليس في أثنائه فقط، وهذه المسؤولية تقع على عاتق أفراد المجتمع وليس على عاتق المنظمين للمعرض أو دور النشر، ولهذا يجب أن تصاحب كل معارض الكتب في وطننا العربي فعاليات توعوية بأهمية قراءة الكتب والاستفادة من مضامينها الحية على أرض الواقع وليس بتخزينها أو نشرها فوق رفوف المكتبات كديكور للمنازل أو كنوع من التباهي بأعداد مقتنياتها ومقتنيها.
المسألة الأخيرة التي نود أن نطرحها في هذا الجو التوعوي الخاص بمعرض الكتاب، أنه يجب على الشباب أن يقتني الكتب الدالة على الفكر والوعي والاستفادة من المستقبل، تلكم الكتب التي تعتمد على التحليل العلمي والحبكة الفكرية الرصينة واستشراف المستقبل، إضافة لكتب البحث العلمي والثقافي والأدبي، أما حين تنتشر موضة شراء الروايات الحديثة والشبابية فقط، فهذا لن يغير من مسار الوعي لدى هذه الفئة المستهدفة من المعرض، فنحن في الوقت الذي نشجع فيه الشباب العربي على الكتابة في كافة الحقول المختلفة، إلا أننا نطالب المستهلك أو القارئ ألا يحصر اهتماماته الثقافية في قراءة الروايات الحديثة فقط، بل عليه أن يتجه صوب الفكر والعلوم المختلفة والكتب الدسمة أولاً، ثم تكون الروايات هي الوجبات الخفيفة بعد كل وجبة يتناولها. نحن نشجع الشباب على الكتابة والقراءة، ولكن ليس دائماً ما يتجه بمفرده لاختيار الكتاب الأنسب له، خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الوطن العربي، والتي يحتاج شبابنا فيها أن يجددوا وعيهم بالفكر الرصين وأن يستعينوا على ذلك بالعلم والعقل والمنطق، وهذا هو الهدف الأساسي المستتر وغير المعلن من إقامة معارض الكتاب التي تقوم بها الجهات المعنية بنشر الوعي بين المجتمعات الإنسانية، فالكتاب السليم للعقل السليم.