التدثر بأي غطاء غير وطني لحل قضايا محلية وطنية داخلية كان ومازال وسيظل في جميع الأعراف والقوانين والفطرة الطبيعية خيانة وطنية، نحتاج أن نعيد الاعتبار لهذه المسلمات التي عيث فيها فساد وتبديلها وخلق مسخ من الانتماءات والولاءات علت على الولاء للوطن ولأرضه ولهويته.
نحتاج أن ننقل الحوار حول هذا العبث بالهوية وبالوطنية إلى مستوى علني عام يسمعه طلاب المدارس والجامعات ومشاهدو التلفزيون والندوات العامة، نحتاج أن نوسع دائرة الحوار لا أن يبقى في الغرف المغلقة أو الندوات النخبوية.
أين الحد الفاصل بين المرجعيات القانونية أو الدينية أو السياسية الدولية وبين السيادة الوطنية؟ أين الحد الفاصل بين ما يعتبر تواصلاً دولياً مشروعاً أو علاقة روحانية مشروعة وبين المحرم منها؟ وأين تحوم الشبهات؟
جميع الدخائل التي استجدت وخرقت جدار السيادة كالعولمة والقوى العابرة للحدود ومفهوم «الأمة» والقومية والمرجعيات الدينية والاتفاقات الدولية والعهود والمواثيق العالمية ووو جميعها دون استثناء سقطت اليوم سقوطاً مدوياً أمام استحقاقات الأمن القومي اليوم في جميع أنحاء العالم، أي عند الدول التي أقحمت علينا هذه الدخائل وفرضتها علينا واشترطتها إن أردنا أن يعترف بنا، ونقبل كأعضاء في مجتمعهم الدولي!! اليوم هم من يعيدون النظر في هذه المفاهيم بعد أن اكتووا بنيران لم يتخيلوا أنها ستصل إليهم.
الحوار حول هذا السقوط لتلك المفاهيم تحول إلى حوار علني، جميع محطاتهم التلفزيونية تتحدث اليوم عن جدار الحقوق الذي سقط أمام معاول الإرهاب، لقد غسلوا أدمغة شبابهم وشبابنا وأجازوا لهم خرق السيادة الوطنية وتعريض أمن الجماعات للخطر مقابل حقوق فرد إنسان، واليوم هم يقلعون ما زرعوه ويعيدون غسل ما غسلوه، هم من يعيد غرس مفاهيم الوطنية الأصيلة، التي اقتلعوها ويغسلون مفاهيم ضبابية أغرقت العالم في فوضى غير خلاقة.
اتفقوا اليوم مجبرين على أن أمن الوطن يأتي أولاً والذي أصبحت له الأولوية، ولا يوجد فرد أو حكومة أو منظمة أو جماعة تجرؤ اليوم أن تتحجج بأي من تلك المفاهيم الخارقة للسيادة الوطنية لتفسح لنفسها مجالاً حين تتقاطع مع تهديدات الأمن والسلامة الوطنية.
هذا ما قلناه في البحرين عام 1995 حين أحرقوا البشر أحياء عندنا بحجة الحقوق والمطالب، وأعدنا قوله في 2011 حين قتلوا 14 روحاً بشرية وأصابوا أكثر من 200 منهم مئات بعاهات دائمة وحطموا الاقتصاد والنمو بحجة الثورات والحقوق والمطالب، واستظلوا إما بمرجعية دينية أجنبية أو بعهد أو اتفاق دولي أو بمنظمة دولية أو بحكومات أجنبية أو ببرلمانات أوروبية، وها هو العالم كله بما فيهم رعاة وحماة العولمة واستحقاقاتها يقولون الآن مثلما كنا نقول: الأمن الوطني أولاً، ولا مرجعية غير الدستور الوطني، إنما متى؟ بعد أن اكتووا هم بنارها وأحرقت أمنهم وأفزعتهم وأرعبتهم على خسارة مكتسبات حضارتهم وتنميتهم. اليوم سكتت كل الأصوات التي كانت تتحدث عن مرجعية غير الدستور، إن كانت مرجعية دينية أو سياسية أو دولية، أو تتحدث عن أولوية غير الأمن الوطني، لا لأنها اقتنعت ولا لأنها تتعذر بقمع للحريات، إنما لأن المظلات التي أعطتها ومنحتها الحماية وحرضتها على الانقلاب على الدستور أو على العنف بحجة «الثورات» هي من تخلى عنهم وهي من تراجعت قناعاتها وآمنت أنه لا حقوق فردية تعلو على الحقوق الجماعية، حريتك تنتهي عند حقوق الآخرين.
هذا الحوار يجب أن يكون علناً عندنا ويجب أن يخضع للامتحان ويخضع للنقاش، لا بين البحرينيين فقط بل بين البحرينيين والخليجيين بشكل مشترك، كي تدرك هذه الجماعات التي ترى أن التزامها بعهد أو اتفاقية دولية يفوق التزامها بقانون وطني، أو التي تدين بولائها لمرجعية دينية أجنبية لا لدستورها أو نظامها السياسي، كي ترى هذه الجماعات أن من سيتصدى لامتحان أفكارها وللجدل معها، ليست الأنظمة ولا الحكومات بل هم الشعوب الخليجية، من مثقفيها ومن نخبها بل حتى من عوامها بروحهم الوطنية المتحفزة، فهم الذين سيتصدون لتلك الأفكار وتلك الجماعات، وهي من سيخير هذه الجماعات، إما الالتزام باستحقاقات المواطنة أو المغادرة، تماماً مثلما تفعل الآن دول روجت لتذويب الحدود السيادية وتوسيع مظلة الحماية الدولية على تلك الجماعات. هذا دور الجامعات ودور مراكز البحوث ودور وسائل الإعلام ودور الجمعيات السياسية والاجتماعية، أن تنقل مستوى النقاش حول هذا الموضوع إلى العامة من الناس لا بين الغرف المغلقة فقط، هذا دور المسؤولين عن الشباب وعن الإعلام وعن التربية، هذا مشروع دولة لا مشروع وزارة.