الأحداث والوقائع التاريخية الفاصلة تكون على نوعين مختلفين ومتناقضين، هنالك أحداث ووقائع إيجابية خدمت البشرية والإنسانية وساهمت في تقدمها ورقيها، نظير رسالات الأنبياء والتغييرات والثورات التاريخية الكبرى، التي قدمت إسهامات كبيرة وثرية للفكر والعطاء الإنساني وأغنته من الكثير من الجوانب.
وفي نفس الوقت، هناك أحداث ووقائع سلبية كانت بمثابة معوقات وعراقيل وإشكالات في وجه تقدم ورقي الشعوب والإنسانية برمتها ومن أهم أسباب نكوصها وتخلفها.
الثورة الإيرانية في 11 فبراير 1979، كانت في بداية أمرها حدثاً إيجابياً جذب العالم كله باتجاهه خصوصاً من حيث الأفكار والمبادئ والمفاهيم التحررية الإنسانية النبيلة التي بشرت بها، لكن وللأسف البالغ، فإن التيار الديني المتطرف في الثورة بقيادة الخميني قد نجح لأسباب مختلفة نحن في غنى عن طرحها في هذا المجال الضيق، في مصادرة هذه الثورة وتوظيفها لأهداف وغايات ضيقة ومن يومها انقلب الوضع رأساً على عقب تماماً، حيث غدت من رمز للتحرر ونصرة الإنسانية إلى أسوأ نموذج للاستبداد والاستعباد ومعاداة الإنسانية وكل القيم والأهداف النبيلة.
بعد مصادرة الثورة الإيرانية تم تأسيس نظام «ولاية الفقيه»، وإعتمد في البداية على ركيزتين أساسيتين هما، قمع الشعب الإيراني ومصادرة حرياته وتصدير التطرف الديني والإرهاب إلى دول المنطقة والتدخل في ش?ونها، وبدأ يتحرك باتجاه لبنان مستغلاً أجواء الحرية وفضاءاتها الطلقة مقارنة بدول أخرى في المنطقة، وقام بالعمل من أجل تأسيس «حزب الله» الذي كان بمثابة البداية العملية لتفعيل مشروعه الفكري السياسي المعادي للعروبة والإسلام.
مقاومة «حزب الله» في جنوب لبنان، بإمكاننا القول وبكل ثقة بأنها كانت بمثابة «كلمة حق يراد بها باطل»، وتم توظيفها منذ البداية للطعن بالأمة العربية عموماً، واختراق الأمن القومي العربي خصوصاً، وجعلها ركيزة الانطلاق والتحرك ضد دول المنطقة من حيث تصدير التطرف الديني والإرهاب إليها بنكهة «معربة»، إن صح التعبير، ونحن ننظر لكل ما صدر ويصدر عن نظام ولاية الفقيه تجاه شعوب ودول المنطقة بعين الشك والريبة وأن الأحداث والتطورات قد أثبتت صحة رأينا هذا، ومن هذا المنطلق، فإننا نعتبر مقاومة «حزب الله» ومنذ البداية مخططاً سياسياً فكرياً يهدف إلى طعن الأمتين العربية والإسلامية في ظهرها و هو «أي مقاومة حزب الله»، تعد بمثابة ظهير وسند أساسي من أجل تنفيذ المشروع الإيراني في المنطقة، ولذلك فإنه وعندما اندلعت الثورة في سوريا بادر نظام «ولاية الفقيه» إلى التدخل بكل ثقله إلى جانب النظام السوري مثلما أوعز أيضاً لـ «حزب الله» كي يتدخل بنفس الاتجاه وهو ما انعكس سلباً على الأوضاع في لبنان بشكل خاص والمنطقة، رغم أننا نود أن نشير إلى حقيقة أن الشعب اللبناني قد دفع دائماً فاتورة أخطاء ومغامرات «حزب الله».
والحقيقة التي نود أن نشير إليها هنا في هذه العجالة هي أن «حزب الله» قد كان ولايزال سنداً وعوناً لنظام «ولاية الفقيه» من أجل تصدير التطرف الديني والإرهاب لدول المنطقة، ولاسيما الخليجية منها، مع ملاحظة أن الهدف الأهم والأخطر الذي كان يهدف إليه نظام «ولاية الفقيه» من وراء «حزب الله» هو قلب الحقائق وتحريفها وتزييفها والتمويه عليها، وقد أكدنا مراراً وتكراراً على ضرورة وأهمية الجهد الثقافي التعبوي من أجل توعية وتنوير الأذهان بهذا الخصوص، وينبغي على الكتاب والمفكرين أن يسلطوا الأضواء وبدقة وموضوعية متناهية على نشأة «حزب الله» ودوره في لبنان والمنطقة، والذي نأمله هو أن يتضاعف مثل هذا النشاط التعبوي التنويري بهدف رفع درجة الوعي السياسي لدى شعوب المنطقة كي تعرف العدو الداخلي لها والذي يتربص شراً بها.

* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان