من الضروري جداً أن نتعرف بشكل أكبر على «سايكس بيكو» الحديثة، ومن المهم أن نتعرف على «سايكس بيكو» القديمة لنستخلص الدروس منها نحن كعرب، من باب عدم قبولنا باللدغة الثانية، ولو من باب الإيمان، فاللدغة الأولى حصلت وانتهتْ، فهل يمكننا تجنب اللدغة الثانية حتى لو كانت كلفتها مرتفعة؟يقول التاريخ الحديث عن اتفاقية «سايكس بيكو» التي جرت كمؤامرة في عام 1916 بأنها كانت «اتفاقاً وتفاهماً سرياً بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، إبان الحرب العالمية الأولى. وتم الوصول إلى هذه الاتفاقية بين نوفمبر من عام 1915 ومايو من عام 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. ولقد تم الكشف عن الاتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917، مما أثار الشعوب التي تمسها الاتفاقية وأحرج فرنسا وبريطانيا وكانت ردة الفعل الشعبية الرسمية العربية المباشرة قد ظهرت في مراسلات حسين مكماهون الشهيرة».لم تكن تنجح اتفاقية «سايكس بيكو» لولا ضعف وانهيار الدولة العثمانية، ووصولها إلى القاع بسبب تفشي كل أشكال الفساد فيها، فالغرب لم يصنع مؤامرة أو معجزة حين استطاع تقسيم العالم العربي عبر اتفاقية «سايكس بيكو» الشهيرة، بل قام بعمل أوضح من الشمس، حين قرأ سنن التغيير بشكل منطقي للغاية، وعرف أن انهيار الدول لا يكون إلا من خلال انتشار ظواهر الفساد فيها وتعاقب الفوضى والاضطرابات التي تسبق أي تغيير ممكن، فاستغلت كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا ضعف وانهيار الدولة العثمانية فحملوا على عاتقهم مهمة التقسيم فكان لهم ما يريدون.السنن الحياتية لا تتغير ولا تتبدل، فعوامل التقسيم ستظل كما هي قديماً وحديثاً، فضعف العرب اليوم وتشتتهم وصراعهم وانتشار الفساد داخل أوطانهم إضافة لمشروع ما يسمى بـ «الربيع العربي» الذي أحدث فوضى غير مسبوقة، كلها تعتبر مقدمات علمية للتغيرات الكبرى التي يمكن أن يقوم بها كل من يفهم كيفية عمل السنن الكونية ومجرياتها في عالم السياسة، ولهذا إذا أراد العرب التحرر من «سايكس بيكو» الجديدة، عليهم أن يحاربوا كل أشكال الفساد في دولهم ويقاوموه بالطرق المشروعة، وأن يتجنبوا الصدامات وكل أشكال الفوضى الداخلية التي تضعف الدول والشعوب معاً، فالوطن القوي لا يمكن أن يخترق أو يحارب، ففرنسا وبريطانيا وبقية الدول الأوروبية لم تستطع أن تسقط الدولة العثمانية إلا حين بدأت تتخلخل من الداخل بفعل الفساد المستشري فيها والذي أدى إلى ضعفها، كذلك الحال اليوم، فتقوية الأوطان عبر نشر مفاهيم الحرية والديمقراطية والمساواة وقبول الآخر وغيرها من القيم الحديثة، تعتبر شروطاً أساسية في إيقاف كل أنواع المؤامرات الحاصلة.الأمر الآخر في هذا المضمار، هو ضرورة مقاومة كل أشكال التقسيم، حتى لا تتكرر مآسي التاريخ الحديث وفجائع فلسطين التي كانت حتمية طبيعية لما بعد «سايكس بيكو» و»وعد بلفور»، لكن الشعوب العربية التي أصابتها حمم «التقسيم الأول» انتبهت في وقت متأخر للغاية، فكانت المقاومة لا تقارن وحجم الأضرار التي لحقت بهم، لكن الآن بيدنا وبوعينا يمكننا أن نختار شكل حاضرنا ومستقبلنا بعيداً عن أي تهافت لمعاهدات جديدة، من شأنها الإضرار بالوطن العربي وتقسيم المقسم، وهذا لن يكون إلا من خلال رفضنا لكل شكل من أشكال التقسيم القسري لأوطاننا بالطريقة التي يردها المستعمر الجديد، فهذه دولنا والمستقبل يجب أن يكون لنا ولأجيالنا القادمة.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90