نطرح في الجزء الثاني من المقال الحلول السلمية للنزاعات في بحر الصين الجنوبي. ورغم أن القوة الصينية سلمية وعلاقاتها وثيقة مع مختلف دول العالم فرأي البعض ضرورة تحجيمها حتى لا تتحول لقوة منافسة. ولذا برزت سياسة تحريض الدول ضد بعضها البعض مما قد يدفعها للحروب واستنزاف ثرواتها ووقف تقدمها وفقاً لنظرية الفوضى الخلاقة «الهدامة» في الشرق الأوسط ومطالبتها الأخذ بالنموذج السياسي والاقتصادي الغربي باعتباره النموذج العالمي في نظرية هانتنجتون «صراع الحضارات»، خاصة الحضارتين الصينية والإسلامية اللتين اعتبرهما من أشد المنافسين للغرب لتماسك شعوبهما عقيدة وثقافة ولديهما الكثير من الثروات. ونظرية فوكوياما «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» بانتصار الرأسمالية والديمقراطية وعلى الجميع القبول بالخضوع طوعاً أو كرهاً لسيادة الغرب. واتجه كثير من قادة الدول الغربية لتنفيذ تلك الأفكار باعتبار المنطقتين هما العدو الجديد وفقاً لنظرية المحافظين الجدد.
وفي هذا الصدد، ما هو السبيل إذن لتجنب النزاعات؟ أو حلها إذا وقعت بين الدول؟ ونطرح بعض النقاط استناداً لمبادئ القانون الدولي والمواثيق والاتفاقيات الدولية. ونقول إن الوسيلة لتجنب النزاعات والصراعات هي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتعايش السلمي والتعاون الاقتصادي وعدم السعي للسيطرة أو الهيمنة وعدم الترويج للخلافات والنزاعات بين الدول في المناطق المختلفة.
أما الوسائل في حالة نشوب النزاعات، فنقول إن الوسيلة لفض منازعات بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي تتمثل في النقاط التالية:
* الأولى: إن مسألة احتلال اليابان لجزرالمحيط الهادي في بحر الصين الشرقي أو بحر الصين الجنوبي قد حسمت بإعلان القاهرة 1943 بين أكبر قوتين في العالم، وهذا معناه أن جزر بحر الصين الجنوبي أو بحر الصين الشرقي هي أراض صينية، وانسحبت منها اليابان ومن ثم تعود لأصحابها وعلى الآخرين احترام ما تم الاتفاق عليه.
* الثانية: ضرورة احترام المياه الإقليمية والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة وفقاً لقانون البحار والتخلي عن السعي والسيطرة.
* الثالثة: إن اللجوء للتحكيم الدولي كوسيلة لفض النزاعات يقتضي وفقاً لقواعد التحكيم الدولي الاتفاق بين الأطراف ولا يمكن لدولة أن تذهب بمفردها دون الطرف الآخر، وإلا فإنه يعتبر باطلاً والقاعدة القانونية تقول إنه «ما بني على باطل فهو باطل».
* الرابعة: إنه هناك تسلسلية لوسائل فض المنازعات، وهي المفاوضة، فالمساعي الحميدة فالوساطة فالتوفيق، وبعده الانتقال للتحكيم أو القضاء، بالشروط التي أوضحتها نصوص النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، أو قواعد التحكيم الدولي.
* الخامسة: إن الصين وقعت في 20 يوليو 2002 مع «الآسيان» ميثاق شرف لتسوية المنازعات بالطرق السلمية في بحر الصين الجنوبي. ولكن فيتنام والفلبين رفضتا الانضمام له. وقام عدد من نواب البرلمان الفلبيني في يوليو 2011 أي بعد 9 سنوات بالسفر لجزيرة «تشونج يه داو» في بحر الصين الجنوبي، ورفعوا العلم الفلبيني على الجزيرة بدعوى سيادة الفلبين عليها وهو ما أثار الصين واعتبرته انتهاكاً لسيادتها وسلامة أراضيها مؤكدة حقوقها في بحر الصين الجنوبي والجزر الواقعة في محيطه. إذن المشكلة واضحة هناك حقوق غير متنازع عليها ثم هناك عرض لاتفاق رفضت دولتان الانضمام إليه وأخيراً قام عدد من نواب البرلمان برفع العلم على إحدى تلك الجزر، والادعاء بملكيتها ولم تلجأ الدولة لأية وسيلة من الوسائل السلمية لفض النزاع بالانتقال لمحكمة تحكيم تابعة للأمم المتحدة وقدمت طلباً للتحكيم قبلته المحكمة خروجاً على قواعد التحكيم الدولية بضرورة وجود الطرف الآخر وهذا أبسط المبادئ القانونية.
* السادسة: إن بحر الصين الجنوبي تمر به معظم التجارة الدولية لمنطقة شرق آسيا وفي مقدمتها الصين ومن ثم فإن التحريض واضح ضدها بما يتعارض مع الإعلان العالمي للعلاقات الودية والتعايش السلمي بين الدول الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1970. كما إنه يعد انتهاكاً لحرية الملاحة، وتهديداً لها بإثارة توتر أو نزاع في هذه المنطقة الحساسة من العالم، وعلى جميع الدول أن تحترم الاتفاقات والمواثيق الدولية.
وفي الختام، نقول إنه يلاحظ أن مشكلة بحر الصين الجنوبي أثيرت بنفس الطريقة تقريباً التي أثير بها الخلاف حول جزيرة دياويوتاو في بحر الصين الشرقي بقيام مستثمر ياباني بشراء تلك الجزيرة مما خلق نزاعاً لم يكن موجوداً بين الدولتين. ومن هنا ندعو للعقلانية وعدم إثارة خلافات بلا أساس حقيقي.
* خبير في الدراسات الإستراتيجية الدولية