إن أكثر من نتعاطف معهم في موضوع المرسوم الملكي هم البسطاء، هم الآباء والأمهات الذين تم تخويفهم وإرعابهم على بناتهم وعلى عرضهم وشرفهم وعلى دينهم ولا يلامون أبداً.
نحن شعب نفزع لديننا ولشرعنا ولا نقبل أن يمس ولله الحمد في ذلك، ولا أشك لحظة في نوايا الناس في هذه الحملة تحت مسمى «لا للسيداو» فلم يحركهم سوى غيرتهم على دينهم، ولا ألومهم إن رأوا نائباً أو قاضياً يقول «لا للسيداو» لأنه سيهدر شرفه وعرضه فهل نتوقع أن يتأخر المواطن العادي عن هذه الفزعة والصراخ مع النائب والدكتور والقاضي؟ مستحيل، إذاً كيف يقول وزير العدل ويقول وزير شؤون مجلسي الشورى والنواب إننا لم نناقش السيداو وإننا لن نخل بأحكام الشريعة الإسلامية؟ هل يعقل إذاً أن جميع هؤلاء لم يفهموا؟ هذا ترك الإجابة على هذا السؤال للآخر.
إنما قبل كل شيء ألوم الحكومة وهي الجهة التي سلمت المشروع للمجلس من عدم الظهور للناس والتوضيح لهم هذه الحقائق، بل ادعوهم لإكمال ما بدأوه بالأمس والحديث بتكرار قدر المستطاع حتى تطمئن الناس وتفهم.
اتضح أن المرسوم عبارة عن رفع للتحفظات عن بعض المواد التي لا علاقة لها بالشرع كقانون الجنسية وقانون التنقل وهي قوانين مدنية موجودة في الدستور منذ عام 1973 ولم تستحدث، أما المواد التي تخل بالشريعة الإسلامية فأبقى المرسوم على موقف البحرين الممتنع عن تنفيذها ورفضها ووضع شرطاً يكفي ليكون حائطاً يذود عن حمى الدين والشريعة الإسلامية، وهو حائط إضافي، فهناك الدستور وهناك الميثاق جميعها تحصن الأحكام الشرعية، وهناك نحن كشعب لا يمكن أن نقبل، والأهم من ذلك كله أنه من المستحيل أن يقدم جلالة الملك مرسوماً ملكياً يدعو للإجهاض وزواج المثليين وتحليل الزنا وووو... مما ألصق بالمرسوم الملكي زوراً وبهتاناً.
إذاً من أين جاء اللغط؟ يؤسفني القول إن من بدأ حملة «لا للسيداو» لم يدرك خطورتها إلا بعد أن «توهق» حين رآها تكبر وتخرج عن السيطرة، فاضطر أن يكملها حتى لا يريق ماء وجهه، سأبدأ بمن رمى كرة الثلج التي كبرت وهيجت الشارع وأحدثت البلبلة واتهمت مرسوماً ملكياً بأنه يحرض على الفسق والفجور.
التضليل بدأ من جهة - تعرف نفسها - أخرجت بياناً قديماً من درجها مضى على كتابته 15 سنة، قامت الجهة بتوزيعه في الواتس آب بدون اسم وبدون مصدر وبدا البيان وكأنه كتب خصيصاً لهذا المرسوم، بدأ بتنبيه إلى كل أب وكل أم ووو... وكان البيان يستعرض المواد التي تخالف الشريعة الإسلامية في السيداو وفهمت الناس أن المعروض أمام النواب الآن سيناقش هذه البنود وعليه لا بد من الضغط حتى يرفض النواب هذه البنود، ولم يقل من وزع البيان إنه كتب قبل توقيع الاتفاقية وأن الدول الإسلامية كلها انتبهت لخطورة هذه البنود منذ تلك السنوات ورفضت الانضمام للاتفاقية حينها وأن جدلاً طويلاً حينها حصل بين الدول الإسلامية واللجنة الأممية إلى أن حسم الخلاف بأن اشترطت الدول الإسلامية التحفظ على تلك البنود المخالفة للشريعة بما فيهم السعودية والبحرين كشرط أساسي للانضمام ودونه لن تنضم، وقبل شرطها، وأي ورقة متداولة تونسية أو جزائرية تتحدث عن رفض رفع التحفظات نقول نحن معها والبحرين معها لا لأي بند يخالف الشريعة الإسلامية ولن نقبل بتمريره وهو ما أكد عليه المرسوم.
بل إن الدول الإسلامية والبحرين معهم رفضوا أنه في حال الخلاف على أي بند من بنود الاتفاق أن يوكل أمر حسمه للجنة من الأمم المتحدة فذلك خرق للسيادة الوطنية، إذاً جميع تلك الضمانات موجودة الآن ولم تتغير، ولم يحدث طوال السنوات السابقة أن أجبرت البحرين على مخالفة الشرع.
والمرسوم لا علاقة له بقبول السيداو أو رفضها لا علاقة له بلا للسيداو أو نعم للسيداو هل سنبقى في السيداو أو سنخرج منها؟ كنت أضحك كلما أقرا شعار الحملة وأسال نفسي في حال صوت النواب بلا، هل كان يجرأ أحد من الذين ضللوا الناس أن يخرج للناس ويقول لهم «يا جماعة سامحونا عاد ترا احنا للحين في السيداو ما انسحبنا»؟
من أوهم الناس أننا بلا للسيداو سنتخارج من الاتفاقية بالتصويت عليها؟ هذا الخداع والتضليل بعينه وبعلمه، فالاتفاقية باقية سواء صوت النواب بلا أو صوتوا بنعم، إذاً على ماذا التصويت؟ على ماذا الضجة؟ دعوا الناس تفهم، أفزعتموهم وأرعبتموهم.
التصويت باختصار شديد كان للنواب أن يختاروا بين صيغتين لرفض البنود المخالفة للشرع، فإن قالوا لا للمرسوم ظلت صيغت التحفظ الموجودة الحالية، وإن قالوا نعم للمرسوم اعتمدت الصيغة الثانية وهي مع اشتراط «عدم الإخلال بالأحكام الشرعية».
أي أن البحرين ستظل رافضة لكل ما يخالف الشريعة الإسلامية في كلتا الحالتين سواء صوتنا بلا أو بنعم إنما لن نخرج من الاتفاقية في كلتا الحالتين، ولن يتغير شيء ولن نجبر على شيء ولن يحدث شيء، الأمر لم يزد عن مفاضلة بين رفضين وكنا سنستفيد لو دار جدل صحي سليم معافى حول أيهما سيكون أضمن لنا وأحفظ لديننا وأقوم لعاداتنا وتقاليدنا هل التحفظ أقوى أم الشرط أقوى؟ فهناك رأي فقهي يرى أن «الشرط» أقوى من «التحفظ» والعكس.
ومن المفروض أنه في النهاية الاثنين لا يزيدان عن وجهتي نظر تسعيان لمصلحة البحرين ولحفظ ديننا وأخلاقنا وشرفنا وكنا سنستفيد من المفاضلة بين وجهتي النظر بجدال هادئ ومفيد .. لكن انظروا إلى أين وصلنا؟
ونكمل في المقال التالي يوم الأحد إن شاء الله