الزيارة الملكية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لوطنه الثاني جمهورية مصر العربية، هي الزيارة الرسمية الأولى لجلالته، منذ توليه مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية، بعد انتقال الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، إلى الرفيق الأعلى، وهي زيارة تعكس ثلاثة أبعاد:
* البعد الأول: عمق العلاقات المصرية السعودية، والتي ترجع لتاريخ عريق لعل أحدثه منذ ظهور الإسلام وانتشاره، وفتح العرب لمصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، والقائد عمرو بن العاص، الذي أحب مصر، حتى أنه عندما انضم مع فريق معاوية بن أبي سفيان اشترط أن يعيده لحكم مصر، وهو ما تحقق بالفعل. وفي التاريخ الحديث بعد قيام المملكة العربية السعودية، تم تبادل الزيارات بين القيادتين، ثم لقاء الملك عبدالعزيز رحمه الله بالرئيس الأمريكي روزفلت، على المدمرة الأمريكية كوينسي في البحيرات المرة، وخلال اللقاء تم التفاهم بين الطرفين حول علاقاتهما فيما يعرف بمعادلة الأمن مقابل النفط. فكانت مصر هي مكان لقاء القيادتين السعودية والمصرية. وتعاون البلدين لإنشاء الجامعة العربية في قمة أنشاص وازدادت العلاقات توثقاً.
* البعد الثاني: تمثل في وصية الملك عبدالعزيز رحمه الله لأولاده بضرورة توثيق علاقاتهم بمصر. وهذا دليل على عمق الرؤية الاستراتيجية للملك عبد العزيز رحمه الله، الذي كان ملكاً حكيماً ذو بصيرة، ويقدر الدول وتاريخها وحضارتها ودورها، ومن هنا سار أبناؤه على هدي نصيحته، فبدأت العلاقات قوية بعد ثورة مصر في 1952، ووقفت السعودية مع مصر ضد العدوان الثلاثي في 1956، وبعد هزيمة 1967، وأصبحت العلاقات أكثر قوة في عهد الملك ذي الحس القومي العروبي فيصل بن عبد العزيز، ووقوفه مع مصر في حرب 1973، وفرض المقاطعة البترولية على الدول التي تعادي مصر، وتؤيد إسرائيل، وكانت الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية ضمن تلك القائمة. ونقول إنه عروبي قومي لأنه أدرك قيمة مصر ودورها ومكانتها وحروبها من أجل العروبة ومن أجل فلسطين، وله قول مشهور «إنه يتمنى أن يصلي في المسجد الأقصي قبل وفاته»، وجاءت مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات بزيارته للقدس وعملية السلام بين العرب وإسرائيل والفلسطينيين فأدت لسوء فهم من البعض، وتراجعت القضية الفلسطينية مما أضاع الوقت والأرض.
الملك عبدالله رحمه الله، كان من الملوك الذين أدركوا دور مصر، والتخريب الذي كان ولايزال يقوم به «الإخوان»، من أجل طموحهم للسلطة. واسترجاع التاريخ يوضح أن الملك عبدالعزيز رحمه الله، في أول لقاء بينه وبين الشيخ حسن البنا في موسم الحج عندما طلب فتح مكتب للحركة في السعودية، تساءل لمن؟ فقال: «للإخوان المسلمين»، فرد عليه بحزم: «كلنا إخوان وكلنا مسلمون»، وكان رداً حاسماً وقاطعاً وصحيحاً، فنحن أسلمنا منذ فتح مصر وأسلمت العرب منذ فتح مكة. الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله كان موقفه قوياً وجريئاً في مساندة مصر، وثورة 30 يونيو، تقديراً منه للدور الاستراتيجي لمصر، ورفض أن يعطي اهتماماً للقوى الدولية والإقليمية التي ضغطت لتغيير موقفه من مصر. الملك سلمان كان من أولوياته تأمين حدود السعودية ومقاومة الإرهاب ورفض التغلغل الإيراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن. ولهذا تأجلت زيارته لمصر، وقد قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بأكثر من زيارة للسعودية. ونتيجة لهذه المشاغل الطبيعية لأي قائد في أية دولة ترددت أقاويل كثيرة حول العلاقات المصرية السعودية من صحافيين وكتاب. ولكن القيادة في البلدين على وعي تام بالحقائق فلا توتر ولا فتور ولكن مشاغل وأولويات لدى القيادات.
* البعد الثالث: إن الزيارة أكدت للبعيد والقريب أن العلاقات بخير، ووضعت حداً للتخرصات الباطلة. فقد قام ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز بأكثر من زيارة لمصر، وأجرى مباحثات رفيعة المستوى وكان التنسيق قائماً. وجاءت أزمة تدهور أسعار النفط فوجد الخراصون موضوعاً لإثارة الخلافات المصرية السعودية بالادعاء أن السعودية لن تساعد مصر ولكن الاتفاقات التي تم إعدادها للتوقيع والمشروعات التي تم الاتفاق عليها تكذب هؤلاء الخراصين. ومصر إذ يزورها الملك سلمان فإنها تستقبله أخاً عزيزاً وضيفاً كريماً وهو ليس غريباً عنها فقد زارها عدة مرات وتفاعل مع شعبها وقياداتها عبر المراحل المختلفة، فمصر بلد الأزهر الشريف المنافحة دائماً عن العروبة والإسلام والتاريخ خير شاهد.
* خبير في الدراسات الاستراتيجية الدولية