«أتمنى أن يعيد المعنيون في دول مجلس التعاون والعالمين العربي والإسلامي النظر في كثير من المناهج العلمية والتربوية، وأن تتحمل وسائل الإعلام، وضمنها وسائل التواصل الاجتماعي، مسؤولياتها الاجتماعية وتعمل بشكل جاد وهادف على نشر قيم الوسطية والاعتدال التي يؤكدها ديننا الإسلامي الحنيف ورسالته السمحة وعدالته الاجتماعية القائمة على المساواة واحترام الآخرين، ليكون هذا في مقابل الوهم والزور والبهتان في الأفكار والشعارات التي تنادي بها الجماعات الدينية السياسية، ولتكشف عنها».
هذه الفقرة مقتطفة من كلمة ألقاها مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الباحث والمفكر الإماراتي الدكتور جمال سند السويدي ليلة الاحتفال بتدشين كتابه «السراب» بمركز عيسى الثقافي وهي تلخص المشكلة التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي اليوم.
وصفة مهمة ملخصها أنه إذا أردنا أن نحاصر الوهم والزور والبهتان التي تحتويه الأفكار والشعارات التي تنادي بها الجماعات الدينية السياسية فإن علينا أن نعيد النظر في مناهجنا العلمية والتربوية وأن نعتمد خطة إعلامية تلتزم بها مختلف وسائل الإعلام ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الخطة أساسها العمل بشكل جاد وهادف على نشر قيم الوسطية والاعتدال، ولأن كل هذا يؤكده ديننا الإسلامي لذا فإن الوصفة قابلة للتنفيذ وللترجمة على أرض الواقع.
السويدي في هذه الفقرة شخص الداء ودل على الطريق الذي إن سلكناه تمكنا من السيطرة عليه والإفلات منه. لكن هذا لا يعني أن سلك هذا الطريق سهل يسير، فالأمر صعب، بل صعب جداً لأنه يحتاج إلى تآزر الجميع ويحتاج توظيف كل الطاقات والقدرات ليتحقق النجاح المطلوب، خصوصاً أن الجماعات الدينية السياسية على اختلافها تمتلك الكثير من الأموال، وهي ليست بالسهولة التي يحاول البعض تصويرها لنا، والدليل هو ما تقوم به من عمليات على مدار الساعة.
في كلمته تلك عبر السويدي عن تفاؤله بقوله إن «هذه الجماعات لا مكان لها في المستقبل القريب، سواء لأن أفكارها قد كشفت واتضح زيفها للغالبية من الشعوب العربية والإسلامية أو لأن عداءها للإنسانية والقيم الحضارية سيؤدي بها إلى متاهات النسيان وغياهب التاريخ»، لكن هذا لا يعني أن نهاية تلك الجماعات قريبة بالفعل، والسبب هو أنها تحولت بفعل تطور الأحداث من جماعات تسعى لفرض رؤيتها وقناعاتها إلى أدوات يتم توظيفها من قبل من يدفع أكثر، فقد قبلت بهذا كي تستمر وأملاً في أن تعود إلى ما كانت عليه مستقبلاً. ما يحدث اليوم هو أن العديد من القوى تستغل تلك الجماعات وتوظفها لخدمة أهدافها، ولأن تلك الجماعات لا يعنيها الوطن ولا الإنسانية شيئاً لذا فإنها لا تتردد عن بيع كل شيء وبيع نفسها، فالمهم عندها هو استمرارها في الإصرار على ما تعتقده وترى أنه طريق خلاص البشرية من معاناته.
التفاؤل أمر طيب، لكن القول إن نهاية هذه الجماعات قريبة بسبب انكشاف أمرها وافتضاح أمر عدائها للإنسانية والحضارة مسألة تحتاج إلى وقفة طويلة، فكما أن من يقف ضد هذه الجماعات قادر على تطوير أدواته لمحاربتها، كذلك فإن هذه الجماعات قادرة على تطوير أدواتها للدفاع عن نفسها والثبات والاستمرار، عدا أن طريق المواجهة المقترح – رغم أنه صحيح مائة في المائة ومهم – يحتاج إلى تضافر جهود الجميع وهو ما يعتبر اليوم من الأمور الصعبة ويحتاج إلى نفس طويل ووقت غير قليل، فتعديل المناهج ونشر قيم الوسطية والاعتدال ليست بالأمور السهلة وتستغرق وقتاً طويلاً تتغير خلاله أمور كثيرة يضطر معها المعنيون إلى إعادة النظر في المناهج وكل الخطط المعتمدة من جديد، دون أن يعني هذا التوقف عن السير في هذا الطريق.