يبدو أن هنالك اليوم أكثر من إسلام في حياتنا، فكل حزب بما لديهم فرحون، من إسلامٍ يفصّلونه حسب مقاسات الحزب أو حسب مزاج رجل الدين الذي ينتمي إليه الحزب السياسي. هناك إسلام المذهب وهناك إسلام الرجل السياسي وآخر للجماهير وهكذا، ولهذا نجد أن الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين غير موجود على الإطلاق، أو أنه بات غريباً في ظل تجاذبات الأهواء والسياسة والمصالح الحزبية، ومن هنا لن تجد المسلم الذي يأمن البشر من لسانه ويده في صراعات الحاضر إلا ما شذ وندر.
الإسلام الذي جاء به نبينا عليهِ وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام لن نجده في المساجد ولا بين المسلمين ولا في الأسواق والشوارع والمدارس والمنازل، وهذا الأمر من وجهة نظرنا يعدّ أخطر ما يتعرض له ديننا الحنيف من مخاطر حين ينتفي من حياتنا وسلوكياتنا، فيتم حرفهُ بطريقة خبيثة في سبيل أن يتلاءم مع مشاريعنا السياسية والاقتصادية والحزبية، فالإسلام الطاهر الذي جاء لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور، أصبح مصدر رعب عند الشعوب التي لم تقرأه كما يجب، وهذا بفضل التيارات السياسية الفكرية المنحرفة التي صورت الإسلام وكأنه مصدر الشرور والطريق الأمثل نحو شرعية القتل وسفك الدماء وحز الرقاب وسحق الجماجم.
نحن اليوم في أمس الحاجة إلى أن نستدعي الإسلام الحقيقي مهما كلفنا الثمن، لأننا على يقين تام بأن الإسلام الذي يروج له السياسي والحزبي وحتى بعض الأنظمة الإسلامية ليس هو الإسلام الذي قضى في سبيل انتشاره ملايين الشهداء عبر التاريخ، بل هو إسلام لا علاقة له بالإسلام، وإنما هو عبارة عن مجموعة من القوانين الخالية من القيم والأخلاق يقومون بالترويج لها باعتبارها هي الإسلام، وهي ليست سوى مصالح لأفراد وجماعات ودول.
نحاول أن نفتش عن الإسلام الحقيقي من فوق منابر الجمعة وفي مؤلفات المفكرين وعلماء الدين وأن نتلمسه في سلوك الإنسان المسلم وفي طبائع الجماعات والدول الإسلامية فلا نجده، وهنا تكمن المشكلة وتتداعى الأزمة الثقافية والسلوكية في حياة المسلمين، فنلمس الفوارق الحقيقية بين النظرية والتطبيق وبين حقيقة الشعار والعمل، مما أدت هذه الفوارق والمتناقضات إلى توجّس الكثير من الأمم والشعوب الأخرى التي لاتدين بالإسلام من أن يفهموا الإسلام أو يستوعبوا قيمه وقوانينه بسبب جهلنا نحن بأهمية أن يكون سلوكنا متطابق مع تعاليم ديننا دون وجود تبريرات وتخيلات لأخطائنا أو لمصالحنا السياسية الرخيصة، فالإسلام هو تزكية للنفس ونماء للعقل وفضيلة للأخلاق ونبل في التعامل، وما دون ذلك سيكون الدين وسيلة لتحقيق مكاسب وأهداف دنيوية خالصة لا علاقة لها بالأمور الكبيرة.
إن المجاميع الإرهابية ممن ينتمون زوراً للإسلام فعلوا كل شيء لأجل تشويه الإسلام، ولهذا سيكون العمل لاسترداد بريقه وقيمه من فمهم عملية شاقة ومضنية للغاية لكنها ليست مستحيلة، فإعادة صياغة وعينا بأهمية التربية الصالحة للجيل القادم وتدريبهم من الآن على الصدق والأمانة واحترام الآخر وتقديم الفضائل على كل المصالح الأخرى وكذلك تربيتهم على ترك الرذائل بكل أنواعها يمكن أن يكون السلَّم الأول للصعود نحو المجد الإسلامي بعيداً عن كل القيم السياسية والفروض الحزبية الضيقة، فانتصار الإسلام يعني احترام الإنسان وبناء الأوطان وفق القواعد الإخلاقية فقط.