لا تستهويني الكتابة في الشأن السياسي بتاتاً، وأستغرب من العديد من الكتاب غير المتخصصين والذين يكتبون في الشأن السياسي، ولكنني أجد لهم عذراً بأننا نبقى كتاب رأي أي أننا في الأول والأخير نعبر عن آرائنا في هذه الفسحة التي منحنا إياها من منطلق حرية التعبير. وما دام هو رأي فهو يحتمل الصواب والخطأ. ولهذا نرى عدداً من الكتاب في الشأن السياسي يغيرون وجهات نظرهم كما يتغير جو البحرين هذه الأيام، فنجد آرائهم السياسية وحول نفس الملف أحياناً ماطرة وأحياناً حارة وأحياناً خريفية وأحياناً أخرى ربيعة. وأستثني منهم كتاب الرأي المحللين الذين يناقشون أي قضية سياسية من جانب تحليلي بحت قد يتخلله بعض الآراء.
إن الخوض في السياسة وفي الحديث السياسي من وجهة نظري «متعب» وشاق، حيث يجب على الشخص الذي ينوي الحديث في أي موضوع سياسي أن يكون متبحراً في القضية التي يتحدث عنها تاريخياً، ويستطيع أن يكون حيادياً وأن يرى القضية من كافة الزوايا، وأن تكون عنده قدرة تحليلية ونظرة مستقبلية حول التطورات التي من الممكن أن يؤول إليها الملف السياسي موضوع النقاش.
أما بعض الذين يدعون أنهم من المشتغلين أو «المنشغلين» بالسياسة، فهم مجرد فقاعات. نرى نفراً منهم يتبنى قضية أو ملفاً سياسياً ويضخمه ويسوقه للرأي العام، ولو أتيحت لك الفرصة للجلوس معه ومناظرته سيتعثر في حواره، مع أول سؤال قد توجهه له! ولا غرابة من أن نجد عدداً كبيراً يدعون بأنهم كتاب في السياسة أو أنهم قادة رأي سياسي ولو اقتربت منهم أكثر تكتشف أنهم خاوون وفارغون، وأكثر كلامهم لغطاً، وغير مبنٍ على أسس تاريخية أو أسس منطقية، وأنهم متلونون بتلون الوضع السياسي وغير ثابتين على موقف.
ولأن الشأن السياسي شأن «متغير»، ومرتبط بالعديد من الأمور، أؤكد أنني أقدر للبعض ممن يدعون الانشغال بالسياسة تغير آرائهم ومواقفهم في جزئيات معينة مع إيضاح سبب تغير الرأي. أما على مستوى السياسة الخارجية الدبلوماسية فهو أمر في غاية التعقيد. فالعلاقات الدولية تحكمها العديد من العوامل المتشعبة أهمها «المصالح»، ولهذا نرى الزيارات المكوكية التي يقوم بها قادة الدول من أجل التوصل إلى حلول واتفاقيات معينة قد يجهل تحليلها الرأي العام. وقد نسمع كلاماً متناقضاً بشكل واضح من المسؤولين المشتغلين في السلك الدبلوماسي أنفسهم فعدو الأمس قد يصبح صديقاً في علم الدبلوماسية.
هؤلاء لا يكذبون، هؤلاء يصفون المواقف الدبلوماسية على حسب الوضع الراهن. ففي علم الدبلوماسية لا يوجد ود وحب دائم بل هناك مصالح مشتركة.
فلا غرابة أن نرى أمريكا اليوم تتهافت لكسب ود دول المنطقة!! وتعترف بالجهود الإصلاحية للمملكة وسعيها الدؤوب نحو الإصلاح، ولا غرابة أن نجد أمريكا معنا اليوم، وغداً ضدنا!!
ولا غرابة أيضاً أن نجد أن مملكة البحرين تمد يدها مرة أخرى لأمريكا وتفتح صفحة جديدة معها!! فالظروف هي من تحدد العلاقات.
من يعتقد أن البحرين متلونة أو أنها ستبلع الطعم مرة أخرى هو إنسان ذو نظرة قاصرة وغير قادر على قراءة ما بين السطور.
ولكن من يهمه معرفة اشتراطات العلاقة الجديدة بين البحرين وأمريكا عليه أن يقرأ الخطاب الرائع الذي أدلى به صاحب الجلالة الملك المفدى لدى زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للبحرين ويقرأ ما بين سطوره.
هناك من يسعى ممن يدعي الانشغال بالسياسة ترويج فكرة أن مملكة البحرين بدأت في أكل الطعم مرة أخرى، وأنها بدأت تتأثر بغزل أمريكا مجدداً لها. وأن هذا الشأن من شأنه أن يجعل البحرين والخليج مرة أخرى لقمة سائغة للقوى الأجنبية المؤثرة في المنطقة. ولو كان الرأي العام يعرف حجم الجهود المحلية والخليجية من أجل حفظ المنطقة وانتعاشها لقدم لها الغالي والنفيس.
قادتنا في البحرين والخليج يتكبدون العناء في جعل منطقتنا ودولنا الخليجية في مأمن ومعزل عما يجري من حولنا.
قادتنا حفظهم الله يسعون إلى جعل دولنا في أمن وسلام وانتعاش دائم، بأقل حجم من الخسائر والتأثير. قادتنا حفظهم الله مثل الأب الذي يشقى ويتعب من أجل كسب لقمة العيش دون أن يشعر أبناءه بأنه يمر في أزمة مالية أو إدارية خشية أن يتأثر أبناؤه. قادتنا حفظهم الله يتحملون الكثير من أجلنا ومن أجل أن نحيا حياة كريمة كالتي ألفناها. فلا يجب أن يخرج لنا نفر من غير الوطنيين ليثير لنا الشائعات والفتن الداخلية ويشق لنا الصفوف. إن أقل شيء نستطيع أن نقدمه لقادتنا حفظهم الله هو أن نتلاحم ونوحد الصفوف. فمتى ما توحدنا ستكون دولنا عصية على أي مؤثر خارجي. أؤمن بأنه لا يوجد عميل من الخارج يعمل على تفتيتنا إن لم يكن له خائن داخلي يسهل له مهامه. وأؤمن بأنه لن يدخل سلاح لنا من الخارج إن لم يسهل له أحد الخونة من الداخل مهمته!!
عجبي على نفر من غير الوطنيين الذين يعتقدون أنهم سيكبرون إذا ما صغرت دولهم، وأن أوضاعهم الشخصية ستكون أفضل إذا ما ساءت أوضاع دولهم!!
عجبي على أشخاص واهمين بأن غدهم سيكون أفضل إذا ما خانوا أوطانهم!! ولعلهم لا يتأثرون مما يحصل في دول قريبة منا كانت تنعم بالأمن والأمان واليوم باتت مقابر جماعية لأهلها!!
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}