في كل مرة يزور مسؤول أمريكي هذه المنطقة، فتأكد أن هناك أمراً ما سيحدث في القريب العاجل، سواء كان هذا الأمر إيجابياً أو سلبياً، ومن هنا فإن زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى المنامة تعتبر من أهم الزيارات التي يقوم بها هذا الرجل حول العالم في الآونة الأخيرة، وذلك لما لها من دلالات خاصة وواضحة بسبب ما تتمتع به مملكة البحرين من مكانة استراتيجية خاصة بين دول المنطقة، إضافة إلى التغيرات المتسارعة التي يشهدها الإقليم.
أكثر من ملف وملف ينتظر الجانب الأمريكي لمناقشته مع الخليجيين، لتحديد مصير الكثير من القضايا الراهنة، لعل من أبرزها قضايا الحروب والصراعات التي تتعلق بأمن المنطقة واستقرارها، إضافة لمناقشة قضايا الدول المشارِكة في المشهد السياسي بشكل مباشر وغير مباشر، كسوريا واليمن وإيران والعراق إضافة لدول مجلس التعاون الخليجي، وأيضاً مناقشة قضايا الإرهاب وداعميه، إضافة للقضايا الداخلية المتعلقة بالإصلاح السياسي، كذلك تداول ومناقشة الأزمات الاقتصادية المعقدة التي يشهدها العالم بسبب تدني أسعار النفط وعلاقة ذلك بالأزمات السياسية والعسكرية.
يبدو أن حجم الملفات العالقة أكبر بكثير من أن تُحلّ كلها أو حتى يحل بعض منها، عبر زيارات مكوكية يقوم بها الوزير الأمريكي، فالقضايا التي كانت صغيرة قد كبرت، والملفات التي كانت تحتوي على ورقة واحدة أصبحت اليوم تحتوي على مجلدات، والسبب هو تباطؤ الجانب الأمريكي وعدم رغبته التدخل إلا في الحدود الدنيا التي تحمي مصالحه فقط، ولهذا فإن الملفات الصغيرة أصبحت ضخمة للغاية، أما الوصول إلى صيغٍ توافقية بين العرب والجانب الأمريكي باتت من الصعب بمكان أن تنفرج عبر مؤتمر صحافي عابر، فغياب الدور الأمريكي المؤثر -ولا نعني هنا رغبتنا في الوجود الأمريكي المستمر- في المنطقة، خصوصاً بعد الانسحاب من العراق، جعل الأحداث تتسارع بشكل ملحوظ، خاصة وأن الجانب الأمريكي كان ولفترات طويلة ممتدة هو المتكأ الذي تستند عليه الملفات والقضايا الأمنية والعسكرية، ولهذا فإن انسحاب الأمريكيين من المنطقة بشكل شبه كامل أثر في خلق فراغات واضحة، حاول البعض أن يملأها بشكل حاد لكنها أثرت سلباً على بقية القضايا والملفات، ومن هنا فإننا نعتبر الزيارة الأمريكية لجون كيري جاءت متأخرة للغاية، ولا نعلم مدى فاعليتها في معالجة القضايا التي باتت من أكثر الملفات تعقيداً عبر كل العالم.
لقد كان بالإمكان أفضل مما كان، فحين كانت الساحة «الشرق أوسطية» أكثر هدوءاً قبل «الربيع العربي»، كان بإمكان الأمريكي تبني بعض الملفات العالقة ومعالجتها بعيداً عن الأضواء وعن كل مشارط العنف، لكن اليوم باتت الحلول أكثر صعوبة -ولا نريد أن نقول مستحيلة- وهذا يتطلب من الجانب الأمريكي الكثير من الجدية للوقوف على مسافة واحدة من كل قضايا المنطقة لنتلمس الحياد منه في كل ملف ومع كل دولة وفي كل أزمة تعصف بالشرق الأوسط، وأن تكون محددات التدخلات الأمريكية تصبُّ في مصلحة الجميع وليس لمصلحة الجانب الأمريكي فقط، فهل ستتحقق هذه التطلعات؟ أم سيظل الأمريكي كما عهدناه يبحث دائماً بين الركام عن مصالحه الشخصية؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة يا كيري.