سئلت قبل فترة من هو مرشح الرئاسة الأمريكية الأفضل للعرب؟ أجبت بأن تجربتنا مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما تبرهن أن هذا سؤال تصعب الإجابة عليه، فالتوقعات بالنسبة له جاءت بعكس الواقع.
كان أوباما مرشح العرب المفضل، كونه ذا أصول مسلمة، وتأملنا أن يتعاطف مع الشعوب العربية والمسلمة، كما توقعنا عندما ألقى خطابه الشهير في جامعة القاهرة في مصر وكان أول خطاب له خارج أمريكا، أن يعطي اهتماماً للمنطقة، وأن يدفع بالحلحلة للقضية الفلسطينية ويرغم إسرائيل على وقف المستوطنات، وعلى الاعتراف بدولة فلسطينية تعيش بسلام وأمان. لكن ما لبث أن تراجع عن تلك الأهداف وابتعد عن المنطقة، وبالعكس فعدم التزامه بأمن المنطقة أحد أسباب تدهور الوضع في سوريا. كما أنه عقد معاهدة نووية مع إيران دون أن يستشير حلفاءه التقليديين من الدول العربية. وبينما كنا ننتظر أن يكون أوباما أفضل رئيس في تاريخ أمريكا أضحى أسوأ رئيس بالنسبة لنا. وبينما كنا نتوجس من المرشح الجمهوري ميت رومني الذي أدلى بتعليقات عنصرية ضد العرب والفلسطينيين خاصة أنه صديق دراسة للمجرم بنيامين نتنياهو، لكن اليوم حين ننظر إلى الوراء نرى أن رومني بالرغم من مواقفه المناوئة للعرب على الأقل لو انتخب رئيساً لكان اتخذ موقفاً حقيقياً تجاه رئيس النظام السوري بشار الأسد، بدلاً من خطابات أوباما الرنانة عن حق الشعب السوري بالحرية، ولكان دعم الثوار بشكل جدي مما أدى إلى وضع حد للصراع في سوريا وتحجيم دور إيران.
الفكرة مما سبق أنها ليست بهدف الشكوى من أوباما، فلقد جف حبر كتابنا من كثرة انتقاد الرئيس الأمريكي الحالي، لكن لاستخلاص العبرة في أمرين، أولهما ألا نتسرع ونحكم على مرشح من خلال تصريحاته التي بالأكثر هي للاستهلاك المحلي، بل النظر أبعد من ذلك وتفحص سياسته بالمجمل، وضرورة تحليلها واستقراء أبعادها، وماذا يمكن أن يكون لها من تداعيات على المنطقة. ولو تطلعنا بعمق في انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة لما تحمسنا بهذا الشكل لأوباما، لأن أجندته كانت بمجملها داخلية، وكانت مقولته الشهيرة أنه يريد الاهتمام بالطبقة الوسطى وليس بالشرق الأوسط. والأمر الثاني والأهم الذي تعلمناه من تجربة أوباما، هو أن أمريكا دولة مؤسسات وأن رئيساً معيناً لن يغير سياسة أمريكا بالكامل، وبالرغم من أن أوباما كان مندفعاً في البداية بالنسبة للفلسطينيين ولكن الكونغرس قطع عليه الطريق، وكبل يديه. ولذلك علينا أن نغير من منهجيتنا بالاعتماد على العلاقة مع الرئيس والإدارة، وأن نبدأ بالتوجه والتواصل مع المجتمع الأمريكي عامة، ومع مجمل المؤسسات الأمريكية التي لها يد في صنع القرار السياسي. انظروا إلى إسرائيل، السياسة تجاهها لا تتغير مهما كانت ميول الرئيس المنتخب، وذلك لأن إسرائيل عملت من خلال المؤسسات الأمريكية ومن خلال شريحة من المواطنين الأمريكيين، وأصلت الدعم داخل المنظومة الأمريكية. لذلك اليوم إن أردنا ألا تتكرر تجربتنا مع أوباما علينا أن نبدأ بالعمل من داخل النظام كما يفعل الإسرائيليون، فلا نستطيع الاعتماد بعد اليوم على الأمل في أن يكون الرئيس الأمريكي القادم متعاطفاً معنا.