حتى الرمق الأخير بقيت جمعية الوفاق أو ما تبقى منها أو فلولها مسماراً مغروساً للتدخل الأجنبي في سيادة الدولة.
جميع القوى المدنية تجتمع بالدبلوماسيين وبالزوار الأجانب للدولة وذلك أمر طبيعي، يحدث هنا ويحدث في كل مكان في العالم، لكن ليس من بين تلك القوى أياً كان إطارها المؤسسي حقوقياً كان أو سياسياً أو كان ذا نوعية خاصة كالمرأة أو الطفل أو معنياً برعاية الأقليات الدينية مثلاً أو الاتحادات النوعية، وأياً كانت جنسية تلك القوى عربية أو أجنبية، فإن أياً منها لا يجتمع مع أي طرف أجنبي لدعوته للتدخل في الشأن الداخلي لدولته، وإلا عد ذلك عملاً مجرماً ومخالفاً للقانون ومنتهكاً للسيادة الوطنية.
هل يستدعي الأمر إيراد النصوص القانونية أم أن الأمر أسهل من ذلك بكثير ويعد من البديهيات؟
إلى متى تترك الدولة هذا الخط الفاصل بين ما هو جائز وما هو مجرم في موضوع الاتصالات الخارجية مساحة مفتوحة للاجتهادات الخاصة؟ إلى متى تترك الدولة هذه الثغرة الخطيرة مفتوحة دون تحديدها وحصرها وغلق باب الاجتهادات فيها دون تحديد الضوابط القانونية التي لا تترك مجالاً للاجتهادات التي تركت الباب مفتوحاً حتى وصل إلى الاجتماع مع وزراء خارجية دول أجنبية والطلب منها التدخل في أمور هي من سيادة الدولة؟ ووصل الأمر إلى أن يتحرك وبحرية تامة بحرينيون يتصلون بسفارات وبقنصليات داخل وخارج البحرين لا بغرض تبادل المعرفة وتطوير الأداء والاستفادة المتبادلة، بل بغرض التحريض ضد الدولة والدعوة للتدخل في الشؤون السيادية لها، مما يعد خيانة بديهية في أي من الدساتير والقوانين.
إلى متى تصور جريدة محلية أمر هذه الاتصالات بل تصور علو الاتفاقات الدولية على الدستور البحريني مسألة فيها نظر وعبارة عن اختلاف مدارس فقيهة لا أكثر ولا أقل، وتفتح بهذا الخطاب وهذه الرسالة المبطنة الباب لانتهاك السيادة وخرقها وتشريع التحريض والدعوة للتدخل في الشؤون الداخلية بحجة أن المرجعية للمعاهدات والاتفاقات الدولية تعلو على الدستور في الدولة؟
إن تغاضينا عن هذا العبث حتى الآن دون أن نحسم ونحدد ونوضح بما لا يدع مجالاً للشك جرم هذه الانتهاكات، هو الذي فتح الباب إلى شرعنة اجتماع جمعية الوفاق مع وزير الخارجية الأمريكي «عيني عينك» ودعوته للتدخل في الشأن المحلي، وبغض النظر عن قبوله واستجابته للدعوة من عدمه، إلا أن السماح بها وعدم تجريمها هو الخطأ الذي ترتكبه الدولة، فلم يكن اجتماع تعارف وتبادل وجهات نظر، كان اجتماعاً تحريضياً للتدخل في السلطة القضائية والتشريعية بل وحتى للضغط على رأس السلطات وهو واضح وصريح، ونحتار بالفعل أين نضع هذا النوع من الاتصالات؟
دع عنك المفارقة بين بقاء هذه الجمعية حية ترزق دون محاكمتها رغم جرائمها في التحريض ضد العنف والتي لا يمكن فصلها عن جرائم أمينها العام الذي يحاكم الآن بهذه التهمة، حتى وإن أوقف الدعم المالي عنها «قصورهم بعد؟» إنما المفارقة الأكبر هي في استمرارها للتحريض ضد سيادة الدولة ودعوة دولة أجنبية للتدخل في الشأن الوطني واستمرارها أيضاً!
لم نلوم كيري بدعم هذه المجموعة إن كانت الدولة لا تمانع؟ لم نلوم 17 شخصية تحمل الجنسية البحرينية وتصول وتجول في العالم محرضة حكومات أجنبية ومنظمات أجنبية على التدخل في البحرين دون أن يكون للدولة موقف قانوني دستوري ضد هؤلاء أو ضد الجمعية التي اجتمعت مع كيري وحرضته؟ إذا كانت هذه الجمعية ترتكب ذات الإثم على مرأى ومسمع وبموافقة الدولة فلم نلوم الآخرين أو نلومهم؟ يا مثبت العقل ثبت عقولنا على فهم واستيعاب هذا «التسامح» أو «التسيب» غير المفهوم وغير القانوني وغير الدستوري، بل وغير الديمقراطي، نريد جواباً شافياً لم هذه الاستهانة بالسيادة الوطنية؟ ومن أجل من؟ وفي عرف أو قانون أي دولة متحضرة شرقية كانت أو غربية، آسيوية كانت أو أوروبية أو أمريكية يمكن لحزب سياسي أن يفعل ما تفعله هذه الجمعية في وطنها وتبقى مستمرة؟