بالرغم من أن الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مؤخراً إلى مصر شهدت التوقيع على 36 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرامج للتعاون «24 اتفاقية و9 مذكرات تفاهم و3 برامج للتعاون»، في مجالات الإسكان والزراعة وتطوير الطرق وقطاع النفط وتشييد محطات الكهرباء، وما سبق من ترتيبات للزيارة بتكلفة إجمالية بلغت نحو 45.65 مليار دولار خلال 10 أيام فقط، إلا أن سيناء بشمالها وجنوبها – التي تعد من أهم المناطق الاستراتيجية غير المستغلة في الوطن العربي - حظيت بنصيب الأسد من تلك الاتفاقيات ومذكرات التعاون، وكأنها وجدت أخيراً من يحنو عليها، فقد ركزت أغلب الاتفاقيات ومذكرات التفاهم على تنميتها وتعتبر تلك الاتفاقيات استثماراً نادراً في شبه الجزيرة التي يتعرض شمالها لهجمات دامية ينفذها الفرع المصري لتنظيم الدولة «داعش» الإرهابي، وأسفرت عن مقتل مئات من الجنود وعناصر الشرطة والمدنيين الأبرياء، منذ عزل الرئيس السابق المنتمي لجماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي في يوليو 2013.
وشملت الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في سيناء إقامة منطقة اقتصادية حرة لتطويرها، وتشييد تجمعات سكنية ضمن برنامج تنمية شبه الجزيرة وآخر للتنمية الزراعية وإنشاء جامعة الملك سلمان في مدينة الطور في جنوب سيناء بتمويل سعودي.
لعل تلك الاتفاقيات تدفع بسيناء نحو نهضة شاملة وتنمية اقتصادية واعدة توفر فرص العمل لأبناء المحافظة الذين عانوا من التهميش منذ تحريرها قبل 34 عاماً، وربما ذلك التهميش وإهمال تنمية شبه الجزيرة وتطويرها كان أحد أبرز أسباب نمو تيار متطرف فيها على مدار سنوات ماضية برز مؤخراً بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011.
واختص التعاون بين الرياض والقاهرة شبه الجزيرة باتفاقيات ضخمة في القطاعات الصناعية والزراعية والتعليمية اقتربت قيمتها من الملياري دولار، حيث استأثرت سيناء باتفاقية بقيمة 1.7 مليار دولار، منها منحة لا ترد بقيمة 200 مليون دولار من الصندوق السعودي للتنمية.
ومن المؤمل أن تغير تلك الاتفاقيات وجه سيناء الاقتصادي خاصة مع إنشاء 4 وصلات فرعية لربط طريق محور التنمية بالطريق الساحلي بطول 61 كلم بقيمة 50 مليون دولار، وإنشاء طريق محور التنمية بطول 90 كلم بقيمة 80 مليون دولار لربط التجمعات السكنية الجديدة شرق قناة السويس بالدلتا غرب القناة، وإنشاء 13 تجمعاً زراعياً بقيمة 106 ملايين دولار لزراعة 23 مليون متر مربع، واستكمال التجمعات السكنية بواقع 17 تجمعاً بقيمة 113 مليون دولار، وإنشاء محطة معالجة ثلاثية للصرف الصحي بقدرة مليون مكعب يومياً بقيمة 210 ملايين دولار، وإنشاء طريق بقيمة 280 مليون دولار، لربط مدينة طابا بغرب قناة السويس، واستكمال جامعة الملك سلمان بن عبدالعزيز بقيمة 50 مليون دولار.
وتعد منطقة التجارة الحرة منفذاً استراتيجياً للصناعات السعودية ومنفذ جديد للبترول الخليجي المتجه لأوروبا حيث سيتم نقله عبر جسر الملك سلمان - الذي سيربط آسيا بأفريقيا فوق البحر الأحمر - إلى الميناء في المنطقة الحرة، ومنه إلى البحر الأبيض المتوسط، وبذلك تشكل اتفاقية التجارة الحرة أولى ثمار الإعلان عن إنشاء الجسر.
ووفقاً لمراقبين فإن إنشاء منطقة التجارة الحرة في سيناء سيكون محفزاً للدول الأوروبية والصين لتحويل مصانعها إلى سيناء ومنها التصدير إلى الدول العربية، حيث إن دول الخليج تستورد 73% من المواد الاستهلاكية عبر أوروبا، وستمر هذه المنتجات من أوروبا إلى مصر، ثم عبر الجسر البري إلى كافة أسواق الخليج.
وقد جسدت الزيارة التاريخية لخادم الحرمين إلى مصر مدى التقارب بين البلدين وتطور العلاقات الى مستوى الحلفاء، خاصة وأن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ نحو 5 مليارات دولار، بينما تحتل السعودية المرتبة الأولى بين الدول المستثمرة في مصر بقرابة 6.13 مليارات دولار كإجمالي المساهمات السعودية في رؤوس أموال الشركات حتى 2016.
وتكافح مصر لإنعاش اقتصادها الذي تضرر بسبب الاضطرابات السياسية منذ ثورة 25 يناير 2011 وما تبعها من أحداث أدت إلى عزوف المستثمرين والسياح بما حرم البلاد من تدفقات العملات الأجنبية التي تحتاجها لاستيراد المواد الخام، خاصة مع هبوط عدد السياح 40 % في الربع الأول من 2016 والانتكاسات المتتالية التي تلت تفجير طائرة الركاب الروسية في شرم الشيخ، والأزمة الناتجة عن مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، إضافة إلى زيادة وتيرة العمليات الإرهابية في سيناء، الأمر الذي كبد قطاع السياحة المصري خسائر هائلة في الإيرادات، فضلاً عن قلة الاستثمارات الأجنبية، وهما مصدران مهمان للدخل القومي.
* وقفة:
خطط وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» لاستبدال قسم من القوات الأمريكية في سيناء بطائرات دون طيار تثير علامات الاستفهام والريبة، خاصة وأنه يشارك نحو 700 جندي أمريكي في عملية المراقبة بعد أن وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية كامب ديفيد في 1979، واتفقتا على قوات وبعثة مراقبين متعددة الجنسيات لمراقبة تطبيق الاتفاقية!