حين تكلمنا عن الهند، فإننا تكلمنا عن التكامل الحضاري والثقافي والاقتصادي والرقمي كذلك، حيث إن سكان جمهورية الهند يشكلون نحو ربع سكان الكرة الأرضية مع تنوعات إثنية لا تمتلكها كل دول العالم مجتمعة، أما حين نتحدث عن النهضة الهندية فإننا نتحدث عن غزو جميل غير معلن لكافة القارات، سواء بشحنها بالكفاءات والعقول أو عبر التجارب الحية على طريق التنمية المستدامة، ناهيك عن أن جمهورية الهند من الدول التي نجحت في تقليص حجم مشاكلها السياسية والاقتصادية بفضل نجاحها في تطوير الديمقراطية والتعليم والصحة والتعمير، ومن هنا وجهنا نصحنا لدول الخليج العربي على أهمية توطيد علاقتها الحاضرة على كافة الصعد بالقارة الهندية عوضاً عن الغرب وحده.
الجمهورية التي لا تقل شأناً عن بلد الديانات والأعراق والتاريخ والحضارة، وهي جمهورية الصين الشعبية، هذه القارة الأخرى التي يصل تعدادها إلى نحو ربع سكان العالم تتمتع بكافة الامتيازات الكبيرة التي ربما لا تتمتع بها غالبية الدول الغربية، ولكونها أحد أبرز المرشحين من بين الدول العظمى في مجال اكتساح الأسواق العالمية، وذلك حين صارت محجة للأوروبيين لزيارتها والاستفادة من الصناعات التي أبهرت بها العالم.
لم تعد الصين تلك الدولة التي تقوم بتصنيع أردأ المنتجات، بل أصبحت اليوم سوقاً مفتوحة لكل الدول حتى المصنعة منها، فالخطط الاقتصادية التي ضربتها الصين حول رقبة العالم كانت محكمة للغاية فأنتجت لها أقوى الحلفاء، وصارت محط أنظار الشعوب والحكومات، ومازالت الصين ترحب بكل الدول التي ترغب بالتعاون معها من أجل إنجاح تجربة الدول الصغيرة والاستفادة من الخبرات الصينية في شتى المجالات.
في إحدى اللقاءات التي جمعتني بالسفير الصيني السابق في البحرين «لي تشين» قبل عدة أعوام، أكد لي رغبة الصين في تطوير العلاقات مع دول الخليج العربي والبحرين خصوصاً، مؤكداً أن ازدهار العلاقات بين بكين والمنامة يقوم على أسس المنافع والمصالح المشتركة وفتح آفاق جديدة على كافة الصعد، كما أبدى رغبة بلاده في أن تفتح الصين صفحات كبيرة مع دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز العلاقات والاستفادة من التجرية الصينية لبناء مستقبل واعد بين الخليج والصين.
كل العوامل مهيأة لأن تخطو الدول الخليجية نحو جمهوريتي الهند والصين في سبيل تنوع الشركاء الكبار والأقوياء، وعدم وضع بيضها في سلة الغرب المهملة، فالتجارب الأخيرة أثبتت ألا صداقات دائمة بين الدول، بل هنالك مصالح دائمة، وعلى هذا الأساس البراغماتي النفعي يجب على دول الخليج العربي أن تكسر قيود التقاليد الدبلوماسية لتتحرر وتنطلق نحو فضاءات أكثر عراقة وصلابة من الغرب المتذبذب، وكذا دون الخوف من وجود خذلان مع نصف الكرة الأرضية حين تختلف مصالحها معنا، فالشراكة مع الدول المستقرة والصادقة كالهند والصين أهم بكثير من التاريخ السياسي لدول لم تتعهد بكامل التزاماتها معنا حتى الآن.