«رافي» رجل آسيوي يعمل سائقاً لإحدى العائلات التي تعيش معنا في نفس المبنى أي «العمارة» كلما التقيت به في المدخل بادرني بابتسامته المعهودة وسألني إن كنت بحاجة إلى أي مساعدة، وأرد عليه أنا بسؤال آخر «كيف الحال يا رافي»، ليجاوبني: «كلو زين مدام.. كلو زين».
ولكن منذ يومين، التقيت بـ»رافي» إلا أن وجهه لم يكن كالمعتاد، مشرقاً وضحوكاً، وها هو يحاول جاهداً أن يخفف من حزنه وراء ابتسامة سطحية تحمل معها الكثير من الحزن والأسى. وأنا لست مخطئة فعيناه كانت بهما دمعتان حائرتان. لم أستطع أن أتجاهل الموقف وسألته من دون تردد هذه المرة: «ما بك يا رافي؟»، رفض بشدة أن يقول معللاً أنه فقط يشعر بتعب بسبب تقلب المناخ وتنوع الالتزامات وكثرتها بين الفينة والأخرى، وأنه رجل بدأ يقترب من سن التقاعد. رغم جوابه المنطقي إلا أنني لم أقتنع به، وبعد إلحاحي لأنه يعز عليّ أن أرى من ينثرون الابتسامة حولنا، مغرقين ببحر من الآلام وأن أتجاهل ما بحالهم، لعل وعسى أتمكن من أن أساهم ولو بالقليل، فأنا أؤمن بالمقولة التي تقول «قدّم القليل الجيد خير من لا شيء».
استهل رافي كلامه: «مدام، في أرباب مال أني، عمل لي جنجال كبير»، وتعني على حد علم الجميع «أن مسؤوله في العمل سبب له مشكلة كبيرة». بالطبع سأكتفي بالمقدمة كما افتتح حواره، لأنه ليس من اليسير أن أقص عليكم بنفس الأسلوب والكلمات العذبة الممزوجة بالقهر تارة واستغرابه تارة أخرى، والتي بالرغم من حدتها إلا أنها ضائعة ما بين اللغة الإنجليزية المهزومة أو العربية المكسورة.
باختصار، كان رافي مكلفاً بمهمة توصيل البريد الخاص بالشركة التي يعمل لديها، وهو في طريقه تلقى اتصالاً هاتفياً من صاحب العمل يطلب منه على وجه السرعة أن يتوجه إلى مكان آخر، لينهي أمراً مستعجلاً، قبل فوات الوقت المحدد لإنهاء المهمة. فما كان عليه إلا أن يغير مسار طريقه ويزيد من سرعة السيارة ليضمن عدم إغلاق الإشارة ويضمن ألا يعلق في الزحام. ولكن الحظ خانه وهو بين التفكير في أن يخفف سرعته ويفاجئ سائق السيارة التي خلفه ومن ثم من الممكن أن يصطدم به، أو أنه يجازف ويزيد من السعرة كي لا تتغير الإشارة خلال مساره أو بين أن يعلق في الزحام الذي سيؤخره ومن ثم يمنعه من الوصول إلى المكان المحدد في الزمن المحدد، لكنه قرر أن يتجاوز الإشارة التي خذلته وتحولت إلى الأحمر ولقطته الكاميرا الخاصة بالإشارة الضوئية. المهم أنه وصل إلى المكان المحدد قبل انتهاء الوقت، على آخر لحظة. ولكن عندما علم مسؤوله بما حدث، قرر أن يعاقبه بحجة أنه لم يلتزم بقانون المرور وعلى «رافي» أن يدفع ضريبة الالتزام بالعبء الذي كلف به في آخر لحظة، والتزامه أمام المرور بـ»الغرامة» وإن لم يدفعها في الوقت المحدد بالطبع فإن «الغرامة» ستتضاعف.
انتهى الحوار بسؤال لطالما أنا شخصياً لم أجد له جواباً: «لماذا لا توجد ساعة رقمية على رأس كل إشارة، تسهل على السائق حل «الفزورة» التي تجعله في دائرة الخطر من جهة، وفي حال كان الوقت مشارفاً على الانتهاء، كي يخفف من سرعته تلقائياً وأيضاً كل المركبات التي خلفه، قبل غلقها، باعتبار أن الوقت هو الفصل الحكم الذي سيجنب الكثير من الحوادث غير المتوقعة وأيضاً نتجنب الوقوع في شبكة الكاميرا والغرامات التي لا ترحم!».