من الحقائق الصادمة التي ينبغي أن تنتبه لها «المعارضة» جيداً وتدركها هي أن الآخر الذي لا يمتلك القرار -أياً كان ذاك الآخر- لا يأتي منه سوى الكلام المعبر عن التعاطف، وهو كلام وإن اقترن أحياناً بفعل، كالخروج في مسيرة أو المشاركة في اعتصام أو رفع ورقة لثوان هي مدة التصوير مكتوب فيها كلمة أو اثنتان تطالب بالتعاطف مع فلان أو علان فإنه لا قيمة له لأنه باختصار لا تأثير له، فالتأثير عند صاحب القرار وليس عند هذا أو ذاك.
هنا مثال عن بريطانيا التي من الواضح أن «المعارضة» بكل تلاوينها ظلت تعول عليها كثيراً، فهي تعتقد أن السماح لعناصر منها بالبقاء في بريطانيا والاستفادة من قوانين الإقامة فيها وممارسة العمل السياسي يعني أن بإمكانها أن تحصل على دعم حكومتها وإقناعها بالتخلي عن مصالحها والاتفاقات التي تربطها مع غيرها من الدول والوقوف إلى جانبها. هذا أمر لا يمكن التحقق إلا في الخيال، فبريطانيا مثلها مثل أي دولة في العالم تسعى إلى مصلحتها وما ينفع شعبها، وبالتالي فمن غير المعقول أبداً أن تتخلى عن مصلحتها وتخرب علاقتها مع أي دولة من أجل إرضاء «المعارضة». بشكل أوضح، لا يمكن لبريطانيا أن تفرط في علاقتها مع مملكة البحرين من أجل سواد عيون سعيد الشهابي مثلاً أو غيره من المستفيدين من الإقامة في لندن، فالمنطق يفرض على بريطانيا أن تحافظ على مصالحها مع حكومة البحرين دون أن يمنع هذا إبداء شيء من التعاطف مع «المعارضة» بما يدخل في باب «التفريحة». وهكذا تفعل كل دولة لها مصلحة مع مملكة البحرين خصوصاً إن كانت العلاقة بين الطرفين قديمة وراسخة.
دول الغرب تنظر إلى ما جرى ويجري في البحرين على أنه مجرد اختلاف في وجهات النظر بين بعض المواطنين والحكومة وأن هذا يمكن أن ينتهي بالتفاهم. وعليه فإن من غير المتوقع أبداً أن تقف إلى جانب بعض المواطنين ضد الدولة التي ترتبط معها بمصالح لا يمكنها التفريط فيها، بل إنها تعلم جيداً بأنه ليس من حقها التفريط فيها لأن شعوبها ستحاسبها وتطالبها بتفسيرات وتبريرات، إن لم تقتنع بها صارت في موقف لا تحسد عليه. هذا يعني أن «المعارضة» لا يمكنها أن تحصل من هذه الدول ومن غيرها إلا على تعاطف أفراد ومؤسسات يظل تأثيرها محدوداً أو لا تأثير لها على الإطلاق.
الوقت الذي تضيعه «المعارضة» في إقناع شعوب وحكومات الغرب وغير الغرب بغية كسب التعاطف وأملاً في الحصول على دعمها ، يمكن أن تستفيد منه لو صرفته في الداخل وحاولت أن تتواصل فيه مع الحكومة، فمثل هذا التحرك هو الذي يمكن أن تربح منه وليس ذاك الذي لا تربح منه إلا الكلام وإن صدر عن شخصيات مرموقة وجماهير عريضة.
أهل البحرين كغيرهم من المسلمين على موعد مع شهر رمضان الذي سيحل بعد أقل من شهرين، وهو شهر خير وبركة لو تم استغلاله بالشكل الصحيح فإنه يمكن أن ينتشل البلاد من هذه المشكلة التي أرقت الجميع وأخسرت «المعارضة» الكثير. الوقت الذي تضيعه في بريطانيا وغيرها من الدول من دون أن تكسب منه سوى التعبير عن التعاطف يمكنها أن تحصل على مردود كبير منه لو صرفته في إعداد خطة أساسها الاستفادة من الأجواء الروحانية التي يوفرها الشهر المبارك هنا في البحرين. لو سلكت «المعارضة» هذا الطريق فإنها ستكون سبباً أساساً في حل المشكلة، والنتيجة ستكون إيجابية لو أنها أعلنت مبكراً أن شهر رمضان هو شهر للعبادة والشكر والتفكر والعمل بغية نيل المغفرة من رب كريم وليس لإيذاء خلقه سبحانه.