لنتصور المشهد التالي، قاعة محاضرات في أي مدينة أو قرية في البحرين تسع لألف شخص أو أكثر مخصصة فقط لإلقاء محاضرات وعقد ندوات تهتم بمناقشة المشكلة التي نعاني منها بسبب سوء تقدير البعض للأمور في فترة معينة، يسعى المتحدثون فيها إلى تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف ذات العلاقة والتوصل إلى حل يرضي الجميع، هل يمكن لأهل البحرين أن يملؤوها؟ الجواب الذي أجزم به هو أن أعداد المتابعين لتلك المحاضرات والندوات من الواقفين خارج القاعة سيكونون أكثر من الذين تمكنوا من التواجد داخلها. يحدث هذا حتى لو كان مثل هذا النشاط في القاعة يومياً وعلى ثلاث فترات وامتد لسنوات. أما السبب فهو أن الجميع صار هاجسه وضع نهاية لهذا الذي يحدث منذ خمس سنوات ولا تستحقه البحرين وهو ظلم لأهلها، فالجميع صار يشعر أن القصة طالت كثيراً وأنه صار لابد من إنهائها وأنه لا يمكن لشعب البحرين إلا أن يكون ذلك الشعب الذي عرفه العالم كله، مسالماً ومحباً للآخر أياً كانت درجة الاختلاف معه وساعياً إلى الإسهام في كل ما يعود على الجميع بالخير.
الحقيقة التي ينبغي ألا نتهرب منها هي أن الجميع من دون استثناء صار يعاني من هذا الذي يحدث، والجميع مل منه ويريد أن يضع نهاية له ليتفرغ للبناء ولمنافسة الآخرين في ما يعود على الحياة بالخير، فما حدث خلال الفترة الماضية لم يربح منه أحد وكبل الجميع وأثر سلباً على مختلف مناحي الحياة وأضر بالوطن.
هنا سينبري من يقول إن على الحكومة أن تبادر وأن تتحرك وتشجع الأطراف الأخرى على القيام بما يؤدي إلى النتيجة المرجوة، وهو كلام في جزء منه صحيح، لكن المبادرة والتشجيع والعمل بغية التوصل إلى حل نهائي للمشكلة ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل إنها مسؤولية «المعارضة» على اختلافها قبل الحكومة، فالحكومة عندما تجد المبادرة تلو المبادرة من «المعارضة» لابد أن تهتم بها وتدرسها وتطورها، والأكيد أنها ترد عليها بأحسن منها، بينما تفاوت الوعي لدى «المعارضة» يمكن أن يكون سبباً في وأد أي مبادرة للحكومة خصوصاً وأنها تعودت على التشكيك في كل ما يأتي من الطرف الرسمي.
ما ينبغي أن تعلمه «المعارضة» هو أنه حتى الحكومة ملت من هذا الذي حدث ولايزال يحدث، فالحكومة يهمها أن يسود الهدوء لتتمكن من مواصلة العطاء والارتقاء بحياة المواطنين، فما يجري يشاغبها ويعيقها، أو على الأقل يزعجها فيتأثر المواطن الذي ينتظر من الحكومة ما ينتظر من خدمات ومشروعات ترتقي بحياته وحياة أبنائه وتضمن لهم المستقبل الذي يأملونه.
لأن الجميع يريد أن يضع نهاية لهذا المؤذي والمتسبب في تعطيل الحياة والذي يعرض أمن الوطن للخطر فإن على الجميع أن يعمل على إيجاد مخرج لكل هذا ويتعاون على وضع النقطة في نهاية السطر بغية بدء سطر جديد مفيد.
ليس مستحيلاً التوصل إلى تفاهم يفضي إلى النهاية المرجوة لكنه بالتأكيد صعب، فليس من السهولة نسيان ما حدث ولايزال يحدث، وليس من السهولة رتق الفتق ومعالجة الشرخ الذي اتسع كثيراً، وليس من السهولة منع الآخرين من التدخل في شؤوننا أو منعهم من التأثير على طرف أو آخر من أطراف المشكلة. الأمور ليست بالسهولة التي قد نتصورها في لحظة عاطفية لكن الأكيد أنه لا يوجد مكان لكلمة مستحيل في قاموس الإنسان البحريني الذي عرك الحياة وواجه صعوباتها طويلاً، لهذا على الجميع ألا يتوقف عن المحاولة والعمل على رأب الصدع خصوصاً وأن الجميع لم يعد يطيق الحال التي صرنا فيها.