قبل حين كتبت مقالاً عن مبالغات منظمات حقوق الإنسان الدولية في وصف حالة حقوق الإنسان في البحرين وبينت أنها تبتعد عن الإشارة ولو من بعيد عن كل إيجابي وصحيح وتركز على أمور صغيرة لا تكتفي بنقلها كما هي والتعليق عليها، وإنما بالنفخ فيها وتحويلها إلى اعتداء صارخ على حقوق الإنسان، يستوجب محاكمة العالم للحكومة. كما نبهت إلى أن هذه المنظمات لا تأخذ بأي معلومة تصلها من الحكومة كرد على استفسار أو توضيح لأمر ما وأنها على العكس تأخذ بكل ما يصلها من «المعارضة» من دون التدقيق فيه وتنشره وهي مغمضة العينين.
حينها وصلني تعليق من أحد الأصدقاء من إحدى دول مجلس التعاون ملخصه أنه ربما كان في هذا تجنٍ على تلك المنظمات، وقال إنه لا يعتقد أنها تفعل هذا خصوصا وأنه يتناقض مع دورها والهدف من وجودها. ولأنني لم أرغب في الدخول معه في نقاش أعرف أنه لن يفضي إلى نتيجة بسبب نجاح منظمات حقوق الإنسان في ترويج معلومة مفادها أنها لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها وأنها لا تقول إلا الصحيح ولا يصدر عنها إلا الحق، لذا اكتفيت بالقول إن عليه أن ينتظر حتى يأتي الدور على بلاده ليتأكد من أنها ليست موضوعية، أو على الأقل ليست موضوعية دائما، وأنها لا تتردد في التجني على الحكومات العربية طالما أن هذا في مصلحتها.
بالتأكيد لا أتمنى أن تتناول المنظمات الحقوقية أي دولة من دول التعاون الخليجي أو أي دولة عربية أو إسلامية بسوء أو تتعامل معها بالكيفية التي تعاملت وتتعامل بها مع بلادنا لكن البعض للأسف لا يقتنع إلا إن ذاق ما ذاقه الآخرون من هذه المنظمات «الموضوعية».
قبل أيام انتشر خبر عن اعتقال السلطات في الولايات المتحدة لمئات المتظاهرين السلميين في واشنطن بتهمة التجمهر وعرقلة المرور لكن أياً من تلك المنظمات لم تنتقد ما حدث وبدا وكأن الأمر لا يعنيها، وقبل هذا وبعده توفرت وستتوفر الكثير من الأحداث في العديد من البلدان التي تنتمي إليها تلك المنظمات أو بعض العاملين فيها من أصحاب القرار ولن يجد العالم بيانا واحدا ينتقد تلك الحكومات ويعبر عن عدم الرضى على تصرفاتها أو حتى بياناً يعبر عن «حالة قلق» ربما انتابت تلك المنظمات للحظة، وإن أصدرت بيانا فإنه في الغالب يكون عاديا وينتقد على استحياء. هذا إن لم تبرر ما قامت به تلك الحكومات. ليس في هذا تجنٍ على المنظمات الحقوقية لأن هذا للأسف هو الواقع وهو الحقيقة، فهذه المنظمات تعتقد أن الاعتداء على حقوق الإنسان يحصل في البلاد العربية أو الخليجية فقط، وتعتقد أنه لا يمكن أن يحدث في بلاد الغرب لأنها «ديمقراطية» و«تؤمن بالحريات»، وإن حصل فلا سبيل سوى الصمت وتوفير المبررات لو انتقدها أحد.
الحقيقة التي ينبغي التأكيد عليها هي أن المنظمات الحقوقية الغربية تكيل بمكيالين، فتنفخ في خطا صغير يحدث في أي بلد عربي أو خليجي ليبدو كبيرا، وتطفئ بكل ما تستطيع النيران التي تنتج عن خطأ كبير يحدث في البلدان المحسوبة عليها أو التي ينتمي إليها أعضاؤها من أصحاب القرار.
تلك المنظمات تهتم كثيراً بإظهار دول الخليج العربي على أنها الأكبر والأول في التجاوز والاعتداء على حقوق الإنسان وأنها الأخطر والأشرس، بل أنها تهتم بإظهارها في صورة العدو للإنسانية وحقوق الإنسان والديمقراطية ولكل فعل حضاري جميل. للأسف فإن هذا الأمر لايتبينه إلا من ذاق من تلك المنظمات، كما ذاق ولا يزال يذوق أهل البحرين الذين صار من حقهم أن يتساءلوا عن أهداف ومرامي تلك المنظمات.