يبدو واضحاً أن التحركات السعودية المتصاعدة باتجاه توحيد الصف العربي والإسلامي منذ تولي خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الحكم قد أوصلت صناع القرار الأمريكي لحالة من القلق الواضح، بحيث زادت محاولات استهداف الشقيقة الكبرى من عدة محاور.
مواقف السعودية القوية باتت تمثل أزمة للولايات المتحدة الأمريكية التي مازالت تحاول إثبات موقعها التي تدعيه كوصية على مقدرات العالم.
الكونغرس الأمريكي يحاول حالياً استهداف السعودية من بوابة «الإرهاب» بمحاولة ربطها بهجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قال بكل صراحة في زيارته الأخيرة لواشنطن إنه في حال ربط السعودية بهذه الأحداث، فإن المملكة ستضطر لسحب أصول نقدية وأخرى متنوعة من الولايات المتحدة بقيمة 750 مليار دولار، ويفهم خبراء الاقتصاد العالمي ما يعنيه ذلك على وضع الاقتصاد الأمريكي، خاصة مع الهشاشة التي بانت في بنيته خلال الأزمة الاقتصادية.
الولايات المتحدة الأمريكية تحاول لعب لعبة «مزدوجة» حالياً باستهداف الأموال والأصول الموجودة كاستثمارات في أراضيها من خلال استغلال ورقة «الإرهاب» و»اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر»، وتريد أن تجرب حظها بكل «صفاقة» مع السعودية بسيناريو مماثل لما فعلته مع إيران بربط مرشدها الأعلى مباشرة بأحداث سبتمبر، وعليه تجميد مليارات من الدولارات، مما يعيد للأذهان الحديث عن رفع التجميد عن المليارات الإيرانية في أمريكا بعد اتفاق «الغزل الثنائي» بين طهران وواشنطن العام الماضي، إذ بديهياً لا يعقل أن تفرج أمريكا عن هكذا مبالغ ضخمة دون أن «تجمرك» عليها حصة وفيرة.
لكن الحال مع السعودية يختلف، فالهدف الذي يسعى إليه أعضاء الكونغرس يخدم توجهات البيت الأبيض السيادية، حتى وإن حاول الرئيس باراك أوباما أن يبين في «مشهد سينمائي» ضعيف الإخراج أنه يحاول ثني الكونغرس عن إصدار هذا القانون.
مشكلتهم مع السعودية تتمثل بأنها برزت بشكل مهيب كقوة عربية لا يستهان بها، لها القدرة على لم الشمل العربي وتوحيد صفه وكلمته، ويكشف عن مدى المراقبة الجادة لتحركات الملك سلمان وزياراته الأخيرة بالأخص التقارب السعودي الجاد مع مصر وتركيا، والذي إزاءهما يستحيل أن تقف واشنطن مكتوفة الأيدي في وضع المتفرج.
الولايات المتحدة قدمت نفسها مراراً على أنها المعين الأول لدول العالم من ناحية المساعدات المالية السنوية، رغم أنها داخلياً تعاني من مشاكل اقتصادية تؤثر على مستوى معيشة الفرد، لكن هذه الصورة مغلوطة تماماً، فالمساعدات الأمريكية لا تتم إلا بعد ضمان المردود والمقابل، والذي يكون عادة ذا أبعاد سياسية وسيادية أكثر منه مساعي صداقة وتقارب.
لكن التقارير الأخيرة تكشف أن المملكة العربية السعودية هي أكثر الدول المانحة للمساعدات لجيرانها في المنطقة والدول الإسلامية، ما يعني أن العالمين الإسلامي والعربي يمتلك اليوم نقطة ارتكاز قوية تغنيه عن القوى الغربية، خاصة وأن النوايا السعودية واضحة وأكثر صدقاً من نوايا الغريب، وأن هدفها في توحيد الصف هو الذي يسمو على الأهداف الأخرى التي تنطلق منها أمريكا بالذات والدول الغربية على وجه العموم.
الحراك السعودي القوي في هذا الاتجاه مصدر قلق شديد للبيت الأبيض، خاصة بعد النجاح الواضح في توحيد الصف العربي والإسلامي، سواء بالنسبة للحرب من أجل تحرير اليمن من قبضة الحوثيين عملاء إيران، أو من ناحية القوات العربية الإسلامية الموحدة وما قدمته من استعراض للقوى في تمرين «رعد الشمال»، والذي أجزم بأن خبراء واشنطن العسكريين درسوه بشكل شامل ومفصل، ورسموا له سيناريوهات وتداعيات.
ما يحصل اليوم هو ما كنا نحتاجه منذ زمن بعيد، عشنا كعرب في شبه غفلة، أو أقلها في اطمئنان بأن الأمور تسير في نسق طيب، دون الالتفات لحقيقة أن مساعي الغرب لتفتيت القوى وأي نوع من التقارب والتلاحم العربي والإسلامي مستمرة بل زادت وتيرتها، إذ خاطئ من يظن بأن البيت الأبيض «الأسود بسياساته وأفعاله» سيصفق فرحاً كرد فعل لأي نوع من أنواع هذا النوع من التوحد.
خريطة القوى العالمية تغيرت في العامين الماضيين، أو بالأصح تعدلت بحسب ما يفترض أن تكون عليه، والفضل في ذلك يرجع لجهود المملكة العربية السعودية.
بالتالي يصعب اليوم على واشنطن الاستفراد بالدول الداخلة في هذا التحالف العربي والإسلامي على حدة وممارسة سياسة فرض النفوذ وفق منطق التفوق والقوة، اليوم وحدتنا هي من يحسبون لها ألف حساب، وتأتي كأولوية لهم قبل أولوية الحرب على الإرهاب و«داعش».
لذلك يتم استهداف السعودية كقائدة وواجهة هذا التوحد، لكن مشكلتهم بأن العزم السعودي لا يلين، وإن كانوا يستهدفونها، فإنها تمتلك منطق القوة والحصافة التي تجعلها ومن معها غير قابلين للكسر أو لي الذراع.