أعظم جرم ارتكبته الإدارة الامريكية بحق العراق والعراقيين والمنطقة عندما تعمدت تمكين إيران و»الولي الفقيه» منهما، ومن ثم سمحت بتمدد إيران إلى الدول العربية لتبسط نفوذها تباعاً في سوريا واليمن ولبنان، وزرعت خلاياها في أكثر من دولة.لكن المشروع الإيراني التوسعي نتج عنه فوضى عارمة، وحمام دم لعدم توافقه مع تطلعات الشعوب، خاصة في العراق وسوريا واليمن، وتوهمت أن مشروعها سيكلل بالنجاح، طالما أن هنالك مداً مذهبياً شيعياً ترتكز عليه في نشر ثورتها وبسط نفوذها.لقد فشل مشروعها في العراق مثلما فشل في اليمن ولبنان والبحرين، لأسباب عدة، يتقدمها اعتمادها على قيادات فاسدة ومتخلفة سرعان ما تكشفت خططهم ونواياهم، فتعجلوا وخلطوا بين مصالحهم ومصالح المشروع الإيراني، فلفظوا من الشارع الشيعي قبل السني.لقد احتقن الشارع العراقي ووصل حد الغليان، بسبب ما يعانيه الفرد العراقي من جوع وبطالة وتراجع في الخدمات وانعدام للامن، خصوصاً أنه قد مضى عقد من الزمان أهدرت بل نهبت فيه مليارات الدولارات، والتي كان باستطاعة الحكومات المتعاقبة لو استغلوا نصفها أو ربعها أو عشرها لتحول العراق إلى جنات عدن على الأرض!وها هو اليوم يتلظى جوعاً ويعاني شعبه التخلف والأمراض والتشرد، ويشاهد بأم عينه خيراته تنهب في وضح النهار، وتأخذ طريقها إلى البنوك العالمية، ومؤخراً ما كشفته وثائق بنما، التي كان مدلل المرجعية وابنها البار، حسين الشهرستاني يتربع على عرش الفاسدين والمرتشين عالمياً، يعقبه فساداً نوري المالكي والعشرات من حيتان الفساد العالمي، والذين مازالوا يسيطرون على مقدرات البلاد والعباد.وصلت الانتفاضة الأخيرة في الشارع العراقي والغليان حداً مخيفاً، ولخشية خروجها عن السيطرة تم الإيعاز إلى فتاهم مقتدى الصدر بتوظيف شعبيته بالتحرك لامتصاص الغضب الجماهيري، ليحرك أتباعه ويخترق المتظاهرين ويحرف المسار ويوهم العراقيين بأنه سيزلزل الأرض تحت أقدام الفاسدين، وسيقتص منهم وسيستعيد المليارات المنهوبة وسيضع الفاسدين وراء القضبان.ومن مخرجات الخيمة الصدرية «المقدسة» أنه تم الاتفاق مع العبادي بإعداد قائمة من وزراء التكنوقراط، أو ما يسمى بحكومة الظرف المغلق، بعيداً عن المحاصصة الطائفية، وهو عنوان براق يسر الناظرين، لكن ذلك الإصلاح الشكلي واقع تحت هيمنة اللوبي الإيراني والمرجعية. وحقيقة الأمر، أن ما أثار حفيظة أتباع الكتل المتحكمة في العملية السياسية هو أنها لم تخرج من رحم تلك الكتل وعباءاتهم، ويبدو أن قادة الكتل أخفوا هذه المرة الحقائق عن أتباعهم مرغمين لحين إنجاز اللعبة، لتفادي فشلها، فحصل ما حصل من الفوضى والتشابك بالأيدي داخل قاعة مجلس النواب العراقي، والسبب هو ليس تعاطفاً مع هذا الطرف أو ذاك، بل إن من سيتحكم بالطاقم الجديد للحكومة هي ليست الكتل التي كان أولئك الوزراء بالنسبة لهم كالبقرة الحلوب. ففي هذه المرة، إن من سيشرف على الحكومة برمتها هو المرجع وممثل الولي الفقيه بنفسه، ورفع يد وعزل رؤساء الكتل عن الحكومة المرتقبة تماماً.وتدحرجت كرة النار التي كان يتقاذفها الكبار، ووصلت إلى يد سليم الجبوري رئيس مجلس النواب، الذي التقطها جاهلاً فحواها ومحتواها، وهو غير متحصن للهيبها وشررها، فأحرقته وكان أول الضحايا، وتم عزله ونائبيه بطريقة مهينة يشوبها الغموض!!والواضح أن من يقود الحراك السياسي اليوم في العراق ويوظفه لصالحه هو رجل إيران الأول المالكي، وأتباعه كتلة «دولة القانون»، والذين اتحدوا من خلف الكواليس مع كتلة «الأحرار»، أتباع مقتدى الصدر، قائد سرايا السلام حالياً وميليشيا «جيش المهدي» سيئة الصيت سابقاً. فبدؤوا بتصفية الحساب وحرق سليم الجبوري أولاً، ثم هم يخططون وماضون لاحقاً بإقالة رئيس الحكومة العبادي وإسقاطه، والذي أصبح في وضع لا يحسد عليه إن لم تتدخل أمريكا لإنقاذه وإخراجه من الورطة والطوق المحكم الذي حول رقبته، وبعدها ستتم إزاحة الكتلة السنية وملاحقة قياداتها ثم تجميدها، والسماح بأن يكون دورها محصوراً داخل أروقة مجلس النواب دون الحكومة، ككتلة معارضة ضعيفة لا تهش ولا تنش، وكذلك توجيه ضربة قاضية للأكراد وتقليص دورهم وسلب مميزاتهم وربما سيضطرهم الصراع المتصاعد لتعليق عضويتهم والتفكير الجدي في الانفصال، بعد أن وصلت العملية السياسية إلى طريق مسدود.وقد أصدرت التعليمات والفارمانات من قم بأن تتوجه القيادات الشيعية فوراً وعلى وجه الخصوص، ممثل السيستاني والمالكي ومقتدى الصدر والشهرستاني وقيادات لم يكشف النقاب عنها صوب الجنوب اللبناني، ليتولى الإرهابي حسن نصر الله كبديل عن الهالك قاسم سليماني بنفسه الإشراف على الملف العراقي وتوزيع الأدوار، وسيعود المالكي أو ربما أحد مقربيه من جناح «حزب الدعوة» ليتصدر المشهد وسينتهي الى الابد مشهد المحاصصة الطائفية، وستكون الحقبة المقبلة شيعية ايرانية خالصة وبامتياز، ولا عزاء بعدها للمطبلين والمنافقين، وسيعلن بعدها عن انبثاق «جمهورية العراق الإسلامية»على غرار إيران!!
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90