التشكيك في صدق البيانات التي تصدرها الجمعيات السياسية «المعارضة» -وخصوصاً جمعية «الوفاق»- كلما تعرضت دورية من دوريات الشرطة لاعتداء واستشهاد وجرح واحد أو أكثر من رجال الأمن أمر طبيعي، لأن إصدارها لتلك البيانات يفهم منه أنها تريد النأي بنفسها عما حدث، وتقول إنها بريئة ولا علاقة لها بالأمر لا من قريب ولا من بعيد، فلا يحملها أحد المسؤولية. والتشكيك سببه هو أن تلك الجمعيات لم تتخذ بعد -رغم تكرار هذه الحوادث ورغم مرور خمس سنوات على بدء أعمال التخريب- موقفاً واضحاً من أولئك الذين يعتبرون رميهم رجال الأمن بزجاجات المولوتوف الحارقة بطولة، بل إنها اعتبرت هذه الممارسات سلمية وحقاً طبيعياً وتردد باستمرار بأن المتظاهرين في العديد من بلدان العالم يقومون بهذا العمل ولا يعتبر أحد ما يقومون به عملاً غير سلمي.
طوال السنوات الخمس الماضيات بدت الجمعيات السياسية وخصوصاً جمعية «الوفاق» وكأنها تحرض الشباب على هذه الممارسة، ساعد على استمرارهم في ممارستها عدم إصدار علماء الدين المحسوبين على «المعارضة» ما يؤكد حرمة ذلك العمل، بل إنهم اعتبروا لفظة «اسحقوه» التي استخدمها الشيخ عيسى قاسم في إحدى خطب الجمعة بجامع الصادق بالدراز إذناً لمهاجمة رجال الأمن بالزجاجات الحارقة، وبكل ما يحقق فعل السحق، كما اعتبروا تحريض أولئك الذين اختاروا البقاء في الخارج فتوى تجيز هذه الممارسة خصوصاً بترديدهم أنها تدخل في الممارسات السلمية التي تجيزها القوانين الدولية.
مقابل رجال الأمن الذين فقدوا حياتهم أو أصيبوا بسبب هذه الممارسة الخاطئة نال كثير من الشباب المغرر بهم أحكاماً بالسجن أخسرتهم مستقبلهم وضيعوا بذلك حلم آبائهم وأمهاتهم بأن يصير لهم ذات يوم شأن في هذا المجتمع.
الأكيد أن أولئك الذين يعتبرون ما يقومون به بطولة وثورية وحقاً تكفله القوانين الدولية لن يتوقفوا عن هذه الممارسة خصوصاً إن لم يتلقوا توجيهاً واضحاً بالتوقف عنها ولم تصلهم فتوى من علماء الدين بتحريمها. هذا يعني أن حوادث من هذا القبيل يمكن أن تتكرر وأنه لن يطول الوقت حتى نسمع عن تعرض دوريات شرطة لهجوم أودى بحياة من فيها.
الأفضل للجمعيات السياسية وخصوصاً جمعية «الوفاق»، الأفضل من إصدارها بيانات تعبر فيها عن رفضها لهذا الذي حدث، الأفضل من محاولاتها النأي بنفسها عنه والسعي للقول إنها لا علاقة لها بما حدث وإنها لا تتحمل مسؤوليته لأنها أصدرت بياناً يدينه، الأفضل من كل هذا هو اتخاذها مجموعة من القرارات التي تؤدي إلى توقف أولئك عن القيام بهذا العمل وهذه الممارسات الخاطئة التي تزيد الطين بلة، وتضعف موقف الجمعيات السياسية «المعارضة»، وتزيد من كره الناس لها، فإصدار هذه البيانات لا يعني أنها بريئة مما حدث، وإصدارها لا يعني أن الآخرين يمكن أن يصدقوها، وإصدارها لا يعفيها من تحملها المسؤولية، فهي من أشعلت النار وهي من ينبغي أن تطفئها.
إصدار الجمعيات السياسية لبيانات الشجب والإدانة في مثل هذه المواقف يشبه رفع لاعب كرة القدم يديه ليبرئ نفسه ويقول لحكم المباراة إن اللاعب الآخر الذي سقط على الأرض هو الذي أسقط نفسه، وإنه لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بسقوطه وتعرضه للأذى، مؤملاً بتلك الحركة أن يصدقه الحكم فلا يعاقبه أو يعاقب فريقه. وكما أن حكم المباراة يصعب عليه تصديق اللاعب بمجرد رفعه يديه والإعلان أنه بريء مما حدث للاعب الآخر، كذلك يصعب على المعنيين بما حدث لرجال الأمن تصديق الجمعيات السياسية بمجرد إصدار بيان بغية القول إنها بريئة من دم الضحايا.
إصدار الجمعيات بيان إدانة أمر جميل لكنه لا يعني حصولها على «صك البراءة».