في كلمته التي تفضل بإلقائها خلال رعايته حفل تخريج طابور أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية بمقر الأكاديمية في لندن اختصر ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة المعركة العالمية المقبلة في أنها ستكون «مواجهة بين قيم التعددية واحترام الفردية وبين من يعتنقون الأيديولوجيات الفاشية بما تحمله من الإقصائية والطائفية وغالباً ما تستتر بقناع مزيف يدعي الدين»، فما يجري اليوم في كل الساحات سيؤدي في نهاية المطاف إلى تلك النتيجة المحتومة والتي من شأنها أن تقوض كل الحضارات وتدمر البشرية وتاريخها لو أن أولئك الإقصائيين الطائفيين الذين يستترون بستار الدين سيطروا وحققوا الانتصارات.
ما نبه إليه صاحب السمو ولي العهد هو في صيغة أخرى دعوة للعالم الحر أجمع للتكاتف والتناصر وبذل كل الجهود لمواجهة ذلك الخطر الذي يتربص بقيم الخير والحق والجمال، حيث التغاضي عن هذا الأمر وتساهله والعمل كل بمفرده نتيجته المنطقية دمار العالم، فعندما يسيطر المتطرفون الذين ينظرون إلى الأمور من خلف رؤوسهم لن يبقى للحياة أي معنى وسيضيع كل ما بناه الإنسان على مدى التاريخ.
هو استشراف للمستقبل بناء على معطيات الواقع، فالوضع الذي يعاني منه العالم اليوم يؤدي بالضرورة إلى ذلك الوضع الصعب الذي من شأنه أن يضاعف مسؤوليات كل إنسان حر مؤمن بقيم الإنسانية ويدرك أن من حق الآخر أيضاً أن يعيش مثلما أن ذلك من حقه.
هكذا فإن العالم مقبل على صراع من نوع جديد هو امتداد للصراع الحالي، الذي إن حقق فيه المتطرفون انتصاراً ذا اعتبار صار صعباً على المدافعين عن قيم الخير تحقيق الانتصارات المرجوة مستقبلاً، فانتصار المتطرفين اليوم من شأنه أن يقوي بأسهم ويؤثر سلباً على كل من يتبين له أن من واجبه التصدي لهم لاحقاً، لهذا فإن ما يفهم من قراءة ما بين السطور هو أن صاحب السمو يدعو إلى الدخول في مواجهة شرسة اليوم مع المتطرفين بغية منعهم من تحقيق أي فوز مستقبلاً، أما إذا سارت الأمور على غير المرغوب والمؤمل فإن المستقبل سيكون صعباً حيث الأكيد أن المتطرفين سيطورون من أدواتهم خصوصاً إن ازدادت المساحات الجغرافية والعقلية التي يسيطرون عليها.
مثل هذا الوضع يعني تحول كل منتم إلى الحضارة الإنسانية التي تحترم القيم وتحترم الإنسان بالضرورة إلى رجل أمن ومدافع شرس عن كل القيم الجميلة وإلا فإن الحياة لن يصير لها أي طعم وستخلو من كل لون إلا الأحمر والأسود. ليس في هذا مبالغة فما يعيشه العالم اليوم يسهل على الجميع تصور ما قد يحدث في المستقبل، إن بقي الحال على ما هو عليه، وبناء عليه صار مهماً بذل كل ما هو ممكن من جهود لوضع حد لهذا الاستهتار الذي يشهده العالم الآن والذي يروح ضحيته في كل يوم العشرات بل المئات.
صاحب السمو ولي العهد عزز رؤيته بمجموعة من الحقائق، أبرزها أن النزاعات الجديدة تحمل تحديات جسيمة لمجتمعاتنا الحديثة وأنه لهذا صار لزاماً خوض كل حرب تفضي إلى تحقيق السلام، خصوصاً وأن قدرات وإمكانيات الأيديولوجيات المتطرفة تضاعفت وتضاعف خطرها بعد انهيار أركان الدولة في أكثر من بلد في المنطقة، وصارت تهدد كل المجتمعات. كما رأى صاحب السمو أن من المخارج الأخرى التي يمكن بها تكبيل التطرف والمتطرفين التحلي بالإيمان الراسخ بحتمية الوحدة والتعايش والتسامح، فهذا -حسب وصف سموه- سلاح من شأنه أن يقوض مساعي الفاشية التي تنتحل الدين مطية لتبث الفتنة والخراب.
إدراك مملكة البحرين لهذا الذي يحدث وقدرتها على تشخيصه واستشراف المستقبل يهيئها للمشاركة بفاعلية في مواجهة أعداء الإنسانية ومريدي السوء لكل القيم الجميلة.