في السابق كان عالم الدين هو الشخصية التي تزود المجتمع ببعض الأحكام التي يحتاجها الإنسان المسلم في حياته العملية، وكان الحاكم الاجتماعي والفيصل في قضايا الأسرة والمجتمع. كان العال مهاباً من حيث قوة شخصيته وطرحه المتوازن والمستنير في الكثير من القضايا، وكان علماؤنا يؤلفون الكتب ويناقشون الأفكار ويعلمون القرآن ويستخلصون العبر من التاريخ. كان العلماء هم الحصن الحصين لتوحيد الأمة على كلمة التوحيد، وهم السراج المنير في دفع الناس نحو الاستقامة والأخذ بأسباب العزة والعلم والقوة، وكانوا أيضاً يحثون خطى كل المسلمين للحاق بركب الحضارة، فكان منهم الفيلسوف والمفسر والمفكر والطبيب والباحث وعالم الاجتماع.
كان هذا هو دور علماء الدين، وكان هذا منهجهم وسلوكهم نحو خلق مجتمع فاضل، تقوده الأخلاق والفضيلة، وتنير دروبه العلوم والمعارف الإنسانية، حتى أصبحوا للسلام دعاة وللتحزب والتحارب والتطرف والفرقة أعداء. أما في هذا العصر، عصر المماحكات والعصبيات وطوفان السياسة الهوجاء وتغليب الأنا والمصالح الدنيوية على مصلحة الإنسان، فإن العلماء الأفاضل من الرجال الأجلاء ومن هذه الفصيلة الرزينة النادرة تحديداً قد انقرضوا تماماً، فلم ولن نجد لهم حسيساً ولا نجوى، ومن بقي منهم حتى هذا اليوم فإنه لا يستطيع أن يتكلم خشية أن يكفر أو حتى يقتل، لأن علماء هذا العصر هم من الفئة التي تدعوك لأن تكون معهم في الدرب والفكر والتطرف وحب الدنيا أو تكون من الخاسرين.
ليس لدينا علماء حقيقيون كما وصفناهم في بداية هذا الحديث إلا ما ندر، وإلا فإن غالبية علماء الدين ليسوا علماء دين ولا حتى دنيا، ولكنهم اتخذوا من الإسلام مصدر رزق ومصدر فتنة لشياطين السياسة، والكثير منهم صاروا رجال دين وليسوا عالم دين، أي أنهم استغلوا الدين لحاجة في نفس يعقوب، وحين تنتهي الحاجة سوف ينتهي تمثيل الدين وينتهي تمثيلهم كذلك.
مما يحزن له الإنسان اليوم، هو دخول رجال الدين في كل شأنٍ من شؤون المجتمع، سواء كان هذا الشأن يخصهم أو حتى لا يعنيهم، وبسبب ذلك أضاعوا البوصلة فقاموا يتخبطون في منهجهم وطرحهم وتبنيهم لقضايا ليست من اختصاصهم أصلاً، كما رأينا هذا في أحد مقاطع الفيديوهات المنتشرة مؤخراً، والذي قام فيه أحد رجال الدين في البحرين بالحديث مع لاعبي أحد الفرق الرياضية لتشجيعهم على اللعب ضد الفريق الخصم بطريقة غريبة أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية، ولا ندري هل انتهت قضايا الشباب اليوم وانتهت معهم قضايا المجتمع البحريني حتى يجد رجل الدين نفسه مدرباً رياضياً؟ أم أنه الإفلاس الحقيقي؟ أم أنه فقد البوصلة في أن يكون رجل استنارة بالدرجة الأولى قبل أن يكون رجل رياضة؟ أم أنه «التوهان» والتدخل في اختصاصات الغير وخسارة الكثير من هيبة علماء الدين؟
نحن اليوم نطلب من علماء الدين المحترمين أن يعودوا لممارسة دورهم الحقيقي بدل من أن يمثلوا أو يأخذوا أدوار غيرهم، وأن يكونوا أكثر الناس حرصاً على البحث العلمي ورسم القوانين الاجتماعية التي من شأنها وحدة الصف ونبذ الخلافات، والتوجه للتأليف والبحث العلمي ومناقشة قضايا واقع الفكر المعاصر وغيرها من القضايا التي هي من صلب مهام عالم الدين والشريعة بدل من أن يكونوا محطة للاستهزاء.