لفت نظري من خلال حديثي مع زملائي الأطباء الإيرانيين في لندن أمور شتى، ومنها الاعتزاز بالقومية الفارسية، وإلى هنا لم أجد في الأمر شيئاً غريباً ولكن عندما كنت في أحد نهارات رمضان ذات يوم، وإذا بي أرى زميلي الدكتور الإيراني يجيب على أحد الزملاء الإنجليز عندما رآه يأكل قائلاً له: «ألست صائماً ككل المسلمين يا دكتور فلان؟»، فإذا بزميلي الدكتور الإيراني يجيب قائلاً «إن هذا الإسلام ليس بدين الفرس فلقد كان لنا الفرس ديننا وجاء العرب ليدخلوننا في الإسلام عنوة»، لم أرد أو أشارك في الحديث إلا إنني اكتفيت بالاستماع فقط، ولكن زميلنا الإنجليزي أجابه قائلاً: «وما المشكلة في أن يأتي الدين الذي تعتنقه من عند قوم غير قومكم؟ فهاهي المسيحية مثلاً قد جاءت إلى أوروبا من فلسطين في الشرق الأوسط ونحن لم نكن من نفس عرقهم ولا ثقافتهم!! ولكن ديانتهم انتشرت بيننا كقيم دينية واجتماعية وأخلاقية عالية»، فأجابه الدكتور الإيراني: «أنتم اعتنقتم المسيحية في أوروبا دون الاحتكاك بأهل الشرق الأوسط، أما نحن الفرس فلقد كان العرب خدماً وعبيداً لنا وكنا نحتقرهم أيام كانت لنا إمبراطورية الساسانيين التي لم يكن في العالم إمبراطورية مثلها إلا الإمبراطورية الرومانية، ولم يستطع ملوكنا الكسرويين أن يتصوروا أن من بين هؤلاء الأعراب الحفاة العراة الصحراويين أن يخرج نبي يغير مجرى تاريخ الحياة في بلادي ويهدم أيضاً حضارة يزيد عمرها عن 3 آلاف سنة»، اكتفيت بهذا القدر وعدت إلى منزلي لأبحث عن محطات العلاقة العربية الفارسية عبر التاريخ، فها هو الملك النعمان بن المنذر ملك الحيرة يطلب من ملك الفرس أن يحميه من امتداد الإمبراطورية الرومانية مقابل الولاء له، ولنبحث عن المزيد في أدبيات الفرس أتباع الديانة المجوسية والطريقة والنظرة الدونية تجاه العرب التي جسدوها في «ملحمة الشاهنامة»، او «ملحمة الملوك»، وهي عبارة عن ملحمة شعرية فارسية قومية ألفت في عام 100 ميلادية للشاعر الفردوسي منصور، وللكتاب عند الفرس مكانة عظيمة وهو سجل تاريخهم، وأناشيد مجدهم، وديوان لغتهم.
تطرق هذا الكتاب لسب وشتم العرب ومن تلك الشواهد الغريبة أن تجد في كتاب «الشاهنامة» كيف وصف الفردوسي صورة وهيئة الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة السهمي سفير النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك الفرس، حيث يقول: وترجمتها بما معناه: «لما جاء ذلك المرسال الخوار الذي كان أعور العين ولم يكن يمتلك فرساً أصيلة، بانت شفرة السيف الحادة بين رقبته وقميصه»، بهذه الأوصاف تم وصف الصحابي حامل رسالة الإسلام إلى كسرى الفرس، وهذان البيتان هما من ضمن قصيدة طويلة تضمنها ديوان الفردوسي في سب العرب والمسلمين، والذي قدمه الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي هدية إلى البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته الفاتيكان في مارس عام 1999، وذلك تعبيراً عن أحاسيس واضحة تجاه العرب مع الترويج لمشروع حوار الحضارات، واللافت للنظر أن الرئيس الأسبق محمد خاتمي نفسه يدعي النسب النبوي الشريف ولكن فلننظر معاً لما يقدمه لبابا الفاتيكان من هدايا!
وتقول كتب التاريخ المحققة أن ملك الفرس مزق الكتاب المرسل من الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم والذي كانت بدايته من محمد بن عبدالله إلى كسرى الفرس حيث استشاط كسرى غيظاً وغضباً معبراً عن ذلك بقولته المشهورة «كيف يبدأ هو باسمه في كتابه لي وهو عبد عندي؟! إذن لابد من إحضاره أسيراً لي هنا».
ومن نماذج الانتقاص والتحقير الذي كتبها الفردوسي في «الشاهنامة» تلك الأبيات التي يقول فيها، وقد ترجمها الدكتور محمد علي اذرشب الملحق الثقافي الإيراني السابق في دمشق وأستاذ الأدب العربي بجامعة طهران هكذا:
من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ الأمر بالعرب مبلغاً
أن يطمحوا في تاج الملك فتباً لك أيها الزمان وسحقاً
وهناك أبيات أخرى مماثلة للفردوسي في «الشاهنامة» ومنها قوله:
الكلب في أصفهان يشرب ماء الثلج، والعربي يأكل الجراد في الصحراء». «يتبع».
* كاتب سوداني مقيم في لندن