كلما تقدمت الأيام والأعوام تيقنا مدى «فوضوية» الربيع العربي وخطورته على العالم بأسره، فتداعيات الربيع التي أصابت كل الدول العربية في مقتل حتى إن كانت تحمل قيمه تلكم الشعارات الجميلة، إلا أنه بات بلا أدنى شك محل نظر من ناحية قبوله وتقبله والخضوع لمفاهيمه السياسية كمشرعٍ منقذ، فالدول بدأت تتساقط، والشعوب دخلت في دهاليز الفتن السياسية والاجتماعية والصراعات الدينية والعرقية، ولا نعلم ما يخفيه الزمان لهذه المنطقة! على الرغم من إيماننا الشديد بأهمية تطوير المناخات الديمقراطية في الوطن العربي وإطلاق الحريات وزيادة جرعات الوعي والتعليم وتحسين مستوى دخل الفرد والمعيشة للإنسان العربي، لكننا نملك الكثير من التحفظات على الوسائل التي تقود لهذه القيم، فحين يسقط أي نظام أو حاكم وإن كان جائراً ليكون الفراغ السياسي هو عنوان المرحلة، ومن ثم يكون الترحم على الطاغية والتمني أن يعود مجدداً للحكم مقابل انتفاء الفوضى الحالية، فتيقن أن ما تم إنجازه هو «الكارثة» وليس الثورة أو أي شيء جميل، فمتى ما شعرتْ الشعوب أن الحاكم الظالم المخلوع هو خير من الحكم الحاضر فإن هناك أمراً في غاية الخطورة، وهو أن ما حدث لم يكون ثورة ولا هم يحزنون، بل هي مجرد عواطف مندفعة جاءت لتحل محل عواطف أخرى، فتصبح عملية التغيير السياسي مجرد شعارات تدغدغ مشاعر الجماهير قبل أن تفتح عقولهم نحو أفق الديمقراطية الحقيقية. لا يسع المجال لذكر مساوئ الربيع العربي، ولا يمكن في الحقيقة القبض على محاسنه، فشكل الخراب والدمار الذي طال العالم العربي يوضح لك حجم الأضرار التي أوقعها «الربيع» على أوطاننا بلا استثناء، وهذا دليل آخر على أن من يقف خلف هذه الفوضى هي دول المال والسلاح والتجارة العالمية والدول الطامعة في النفط ولو على حساب انتشار الحروب والويلات والصراعات والفتن الخطيرة.ربما كتبنا الكثير في هذا المنحنى وسنظل نكتب بصوت عالٍ حتى تستقر الأوطان، فالذي نشاهده من دمار شامل لأوطاننا لا يمكننا السكوت عنه أو القبول به تحت ذرائع مشبوهة، فالأنظمة التي وإن كانت لا تسير في طريقها الصحيح نحو الديمقراطية إلا أن استبدالها بالفراغ السياسي المعتم وعدم وجود بدائل صالحة لها كمشاريع سياسية ناضجة ورائدة في المنطقة تحديداً، إضافة إلى مباركة الإدارات الغربية الاستعمارية لهذا الربيع، ربما يجعلنا نشك في كل منتجٍ يصدر من دول سرقتْ ومازالت تسرق عرق الشعوب ودمهم وكرامتهم من أجل سيادتها التي تعبر القارات ولكنها لا تستطيع عبور الإنسانية، ولهذا فإنهم أول من صفق للفراغ السياسي في الوطن العربي وهم أول من دعم الربيع في شكله الحالي تحت مسميات تجعلنا نقدس دعمهم ونصفق بحمدهم، وهذا أخطر ما يمكن أن يشكله ارتداد هذا السخاء الغربي حيال العرب في «ربيع» خيطت بداياته وخاتمة فصوله في مطابخ لا يمكن للشيف العربي أن يدخلها أبداً.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90