تعتبر حرية الرأي والحق في التعبير من أهم مقومات الحكم الصالح، والأداة الأساسية التي يتمكن من خلالها الفرد من الحصول على المعلومات وتلقيها ونشرها لتعزيز دوره الرقابي على أداء السلطات العامة وفي المساءلة لهذه السلطات من أي تجاوز أو تقصير في أداء مهامها.
ويعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية -والتي انضمت إليه مملكة البحرين بموجب القانون رقم «56» لسنة 2006- الأساس القانوني الملزم لحرية الرأي والحق في التعبير ضمن أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ تقضي الفقرة «1» من المادة «19» على حماية حق الفرد في اعتناق الآراء دون مضايقة، وهو حق لا يجيز العهد الدولي إخضاعه لأي استثناء أو تقييد. وتمتد حرية الرأي أيضاً لتشمل حق الفرد في تغيير رأيه في أي وقت ولأي سبب يختاره بملء حريته، كما لا يجوز النيل من أي حق من حقوق الفرد المنصوص عليها في العهد على أساس آرائه الفعلية أو المتصورة أو المفترضة. ويشمل هذا الحق أيضاً، التعبير عن المعلومات التي تشمل أي شكل من أشكال الأفكار والآراء التي يمكن نقلها إلى الآخرين أو استلام تلك المعلومات، كما يتضمن الحق في التعبير من خلال إلقاء الخطاب السياسي والتعليقات الذاتية والتعليق على الشؤون العامة واستطلاع الرأي ومناقشة حقوق الإنسان والصحافة والتعبير الثقافي والفني والخطاب الديني، سواء كان بلغة منطوقة أو مكتوبة أو بلغة الإشارة أو بغير ذلك، كما تشمل وسائل الحق في التعبير من خلال ما تحتويه الكتب والصحف والمنشورات والملصقات واليافطات والوثائق، وتشمل كذلك جميع الأشكال السمعية والبصرية، فضلاً عن طرق التعبير الإلكترونية.
ومن جانب آخر، تقضي الفقرة «2» من المادة «19» من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ضمان حماية الدول الأطراف في العهد الدولي على الحق في التعبير، والذي يشمل «الحرية في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها».
وتخضع جميع أشكال التعبير عن الرأي للحماية، بما في ذلك الآراء التي لها طابع سياسي أو علمي أو تاريخي أو أخلاقي أو ديني، وعليه، فإنه تعد مضايقة شخص بسبب الآراء التي يعتنقها أو تخويفه أو وصمه، بما في ذلك توقيفه أو احتجازه أو محاكمته أو سجنه، انتهاكاً لذات النص.
ولقد كفل دستور مملكة البحرين التمتع بحرية الرأي والحق في التعبير في المادة «22» التي نصت على أن «حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقا للعادات المرعية في البلد»، وأردفت المادة «23» منه أن «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما».
إلا أن الحق في التعبير هو ليس حقاً مطلقاً، بل يخضع للتقيد وفقاً لأحكام الفقرة «3» من المادة «19» من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي نصت على أنه «يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: «أ» لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، «ب» لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، كما حظرت المادة «20» من العهد الدولي أية دعوة إلى الحرب، أو الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، حيث أشارت إلى أنه: «1» تحظر بالقانون أية دعاية للحرب، «2» تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
وعوداً على دستور مملكة البحرين، فقد أردفت المادة «23» بعد توفير الضمانة لحرية الرأي والتعبير» وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية». كما جرّم المشرع البحريني الفعل الذي يؤدي إلى تزعزع الوحدة الوطنية تحت مظلة حرية التعبير، حيث نصت المادة «172» من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم «15» لسنة 1976 بأنه: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من حرض بطريق من طرق العلانية على بغض طائفة من الناس أو على الازدراء بها ، إذا كان من شأن هذا التحريض اضطراب السلم العام».
ومن هذا المنطلق فإن أي ممارسة للتعبير متى ما شكلت دعوة للحرب أو الكراهية في شتى أشكالها وصورها المتنوعة التي تشكل تحريضاً على العنف أو التمييز أو العداوة، فهي ممارسة تعد خروجاً عن الأطر القانونية المقررة للحق في التعبير وتشكل تعسفاً في ممارسة هذا الحق.
في الختام، أُريد الإشارة إلى أن الحديث كسفينة نوح فيها من كل زوجين اثنين، رواية ودراية، بداية ونهاية، متون وأسانيد، صحاح ومسانيد، تراجم ومعاجم، فمن ركب هذه السفينة نجا من غرق الضلالة، وسلم من بحر الجهالة ووصل شاطئ الرسالة. دعونا ننتقي كلماتنا بكل دقة وتألق لتحديد مصير كلماتنا، فقد تكون نتيجة نقشنا على ألواح الكتابة، سلامة أو ضلالة!
* المقال حائز على المركز الأول في كتابة الخطاب السياسي المعنون بـ«حرية التعبير وخطاب الكراهية»، من خلال مسابقة احترافية نظمها معهد البحرين للتنمية السياسية لفئة الشباب.