الأمانة والصدق مصطلحان مقترنان ببعضهما بعضاً وكلاهما يمثلان أساساً من أسس مهنة الصحافة والإعلام بشكل عام، ومتى ما افتقدت الصحافة لأي من هذين المصطلحين فإن رسالتها تضل الطريق وتؤسس لمفاهيم خاطئة تسيء الى سمعتها وسمعة ممتهنيها!
أسوق هذه المقدمة في أعقاب ما لمسته في السنوات الأخيرة من تراجع سلبي لأساليب الطرح الصحفي في إعلامنا الرياضي لدرجة أفقدت الصحافة الرياضية هيبتها وباتت محل استهزاء وتندر في الأوساط الرياضية الواعية وفي محيط صناع القرار الرياضي!
لقد ترددت كثيراً قبل أن أطرق هذا الموضوع -لأنني أعلم بما قد تفسره بعض النفوس الضعيفة من تفسيرات مبنية على الأهواء الشخصية البعيدة عن الواقع والمنافية لمعنى الصدق والأمانة- ولكن لأنني أؤمن إيماناً تاماً بالأمانة المهنية وبأن وسائل الإعلام عامة والصحافة خاصة لم تخلق لتصفية الحسابات والتراشق بالألفاظ المسيئة وبالاتهامات الشخصية التي لا تهم القارئ أو المتلقي بشكل عام بقدر ما تسيء إلى أصحابها، فقد قررت الخوض في هذا الموضوع دفاعاً عن مبادئ العمل الإعلامي عامة والعمل الصحافي خاصة، من منطلق حبي لهذا المجال الذي قضيت فيه جل سنوات عمري!
لقد تعلمنا من أساتذتنا -الذين تتلمذنا على أيديهم واستفدنا من خبراتهم وتجاربهم- أن القلم أمانة وأنه وسيلة خير لإصلاح كل ما هو فاسد، ولم يكن القلم في يوم من الأيام سيفاً مسلطاً على رقاب البشر، ومن لا يؤمن بهذه الحقيقة فهو ممن يغردون خارج السرب في بلاط صاحبة الجلالة!
النقد هو جوهر العمل الصحافي متى ما كان نقداً هادفاً وبناءً قائماً على الأسس المهنية التي تساهم في إصلاح الاعوجاجات أينما وجدت، وهذا هو مصدر قوة وهيبة السلطة الرابعة في المجتمعات العالمية المتقدمة، أما النقد القائم على استنتاجات واجتهادات وترسبات شخصية جلها بعيد عن الواقع فإنه لا يؤدي إلا إلى المزيد من التصادم والمزيد من التشنج والمزيد من الفرقة دون أن يلامس خط الإصلاح!
صحافتنا الرياضية على الرغم من تقليص مساحتها وتقييد الكثير من صلاحيتها مازالت قادرة على النهوض من هذه الكبوة والعودة إلى ممارسة دورها بمهنية تجبر المتلقي أياً كان موقعه أن يحترمها ويأخذ بطرحها مأخذ الجد، بشرط أن تؤمن بأن القلم ليس سيفاً وأن الساحة الصحفية منبر حضاري للإصلاح وليست حلبة للصراع وتصفية الحسابات أو مسرحاً للتملق والتسلق !!