في علم الإدارة، أسوأ أنواع المسؤولين هو المسؤول «الغدار»!
والغدر صفة من أشنع الصفات، لأنه يأتيك بلا مقدمات، ومن أشخاص لربما تكون قد آمنت لهم، بل واعتبرتهم من أقرب الأقرباء.
وللأسف، نوعيات المسؤولين تختلف، لكن أخطرهم كما بينا هو الذي يكون «الغدر» صفة من صفاته.
حتى في الحروب، فإن تصنيف البشر يسهل على أي طرف عملية المواجهة، فالصديق تعرفه صديقاً، يكون عوناً وسنداً وعضيداً، أما العدو فهو يأتيك بوجه مكشوف، تعرف أنه عدو وتعد له العدة، لكن صاحب صفة «الغدر» هو الذي يأتيك على غفلة، وهو الذي تأتي طعنته في الظهر وأنت غافل.
لنبقى في علم الإدارة ونحلل أكثر أصحاب هذه الشخصية، فهم الأخطر اليوم على العمل الإداري في مختلف القطاعات، بل هم من يتسببون بسلوكياتهم وسوء إدارتهم بتراجعات في الأداء والمستوى، ويقودون الموظفين لحالات متقدمة من الإحباط والإنكسار، بل وقد يدفعونهم للخروج من مواقع العمل والبحث عن بديل.
المسؤول «النحيس» واضح في أسلوبه مع الموظفين، يتصرف بشكل مباشر، هو إن أراد جعل نهارك «أسود» كالليل، فإنه يفعل ذلك دون لف أو دوران، والعكس المسؤول «الطيب» لكنه محترف في الإدارة هو الذي يفجر طاقاتك، وينهض بالعمل ويطوره، والأهم هو الذي يخطط المسارات المهنية لموظفيه ويرتقي بهم ويفتح لهم الأبواب ليبدعوا ويتميزوا، وبناء على ذلك فإنهم يتطورون وظيفياً.
طبعاً أحس وأنني أكتب عن النوع الثاني، وكأنني أكتب قصة خيالية، فالمسؤولون الأكفاء الناجحون إدارياً يبدو وأنهم يعدون على الأصابع أو أنهم نادرو الوجود، وطبعاً الموظفون هم أصحاب الكلمة الفيصل في هذا الشأن.
لكن «الغدار» هو المشكلة بعينها، إذ هو قد يوصل الموظف لأشنع أنواع الإحباط، وهو الذي يدفع الموظف المخلص لمراجعة إخلاصه، بل قد يجعل شعلة نشاطه واندفاعه تنطفئ، بالتالي يخسر القطاع كفاءة ذات اجتهاد مميز.
المسؤول «الغدار» لا يأتيك مباشرة، بل على العكس، في وجهك يهش ويبش، وقد يصافحك بحرارة ويقبل وجنتيك، لكن من وراء ظهرك لا تستهويه سوى مضرتك، ومعه لا تأخذ حقاً ولا باطلاً، لا تحفيزاً ولا دعماً ولا ترقيات، بل كل هذه الأمور تذهب لمن هم في تصنيف «الحاشية»، والذين قطعاً مع هذا النوع من المسؤولين أعدادهم ليست ثابتة، فهم إما يتناقصون أو يتبدلون، كل حسب المصلحة، أو حسب مستوى الولاء والطاعة، وبعضهم يطالهم الغدر فيصبحون من المقربين إلى أبعد المبعدين.
لذلك دائماً ما نقول بأن الإدارة هي «أعظم فن إنساني»، كيف لا و«إدارة البشر» هي أرقى مستوى في القيادة، وفيها يتبين لك معدن المسؤول وثقافته وقدرته ومستوى تفكيره، وهل هو قائد أم مدعٍ للقيادة.
طبيعة الموظف وهي سمة تلقائية تتركز أولاً في الإخلاص للعمل والولاء له، خاصة من يحب ما يقوم به، ومن يريد أن يبدع وينجز، والسلبية التي تعتري بعض الموظفين، هي لا تكون أبداً سمة متأصلة فيهم، ولا تكون نزعة أساسية لديهم، طبعاً إلا في حالات نادرة، لكن مسبباتها الرئيسة هي أساليب الإدارة، ومتى ما أحس الموظف أنه غير مقدر أو يتعرض لسوء معاملة، أو أن هناك نوعاً صريحاً من التمييز، ومن التعامل الإداري غير الاحترافي.
هذه الصورة النمطية التي تتضح في بعض القطاعات وفي بعض المسؤولين «آفة» لا بد من القضاء عليها، لذلك الدورات التدريبية القيادية لصقل مهارات الإدارة لدى المسؤولين لم توضع عبثاً، بل وضعت لتخريج كوادر من الإداريين الذين يديرون العمل الموكل لهم بكفاءة واقتدار، وذلك عن طريق الإدارة الصحيحة للبشر، والتي تكون بالتعامل النظيف المباشر القائم على المساءلة ومنح الصلاحيات والمسؤولية، لا التعامل بأساليب «اللف والدوران» أو «الغدر» بنية التشفي أو الانتقام أو لأنه المسؤول «لا يحب فلاناً، أو لا يعجبه شكل فلتان».
والله البحرين دولة جميلة بأهلها، فيهم الكثير من أصحاب الأخلاق الرفيعة، والأهم منهم أصحاب الكفاءات والطاقات الذين يمتلكون مهارات القيادة، وكثير منهم تعبت عليهم الدولة من ناحية التهيئة والتدريب، هؤلاء من يجب أن نبحث عنهم ونعمل على تأهيلهم. لذلك دائماً ما أقول بأن قطاعات الدولة «ملك عام» وليست «أملاكاً خاصة»، وعلى المسؤول أن يدرك بأنه محاسب أمام الدولة، وأن واجبه أن يدير القطاع وموظفيه بكل نزاهة ونظافة وعدالة وإخلاص.
أجزم بأن هناك حالات إدارية تحصل، وهنا نبحث عن الجهة ذات الاختصاص التي تسمع للموظف وتدقق فيما يقول، وتدرس الحالات وتخضعها للرقابة، وإن ثبت بأن هناك بالفعل مسؤولين على هذه الشاكلة، فالواجب تجاه بلادنا ودعماً لمشروع ملكنا الإصلاحي أن نصحح الخطأ ونقوم المعوج.
الله يرزق كل قطاعاتنا بمسؤولين أكفاء مقتدرين ومحترفين في إدارة البشر، إذ وجود هؤلاء نعمة للبلاد والعباد.