الحديث الرائع الذي أدلى به ولي ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز يوم أمس لقناة «العربية» استقطب اهتمام جميع وسائل الإعلام العالمية، وفرض على الناس التسمر أمام الشاشة الفضية لمتابعة ما يمكن اعتباره أقوى تصريح سعودي حدد فيه ملامح الـ15 سنة القادمة.
بداية نقول بأنه هنيئاً للشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية حفظها الله وأهلها وقيادتها بهذا الشاب الرائع، بفكره وثقته وذكائه وقوته، وأعز بالسعودية العرب والإسلام، وجعلها المولى عز وجل دائماً في ركب الأقوياء المدافعين عن ثوابت الأمة وأمنها واقتصادها.
والله لا نعرف من أين نبدأ التعليق على حديث الأمير محمد، فكل ما قاله بتشعباته وجوانبه المختلفة يتضمن دروساً متقدمة في التفكير والتخطيط الاستراتيجي، والأهم أساليب التعامل مع التطورات والمتغيرات العالمية، لكن بأسلوب مختلف تماماً، وأعني هنا عملية تطويع الظروف والاستفادة منها في تسيير الأمور والبناء عليها، لا أن نكون «رهينة» لهذه الظروف وجعلها محددات لمساراتنا، بل أسباباً لاتخاذ إجراءات اضطرارية يتأثر حيالها كثير من البشر.
الجميل في حديث ولي ولي العهد السعودي بساطته ووضوحه وتجنبه الدخول في متاهات الكلام، وما ميزه أنه وضع النقاط على الحروف مباشرة، فكل سؤال كانت له إجابة مباشرة صريحة وواضحة، والأروع الكلام الذي يتجنب التبرير، بمعنى أن التراجعات وأوجه القصور أشار لها الأمير بشكل صريح واضعاً لها على الفور حلولاً ومعالجات.
هذه بحد ذاتها نقطة مهمة تدرس، إذ حينما تعلن خطتك للناس، وحينما تقول إن لدي استراتيجية، فإنه من المهم تحديد أطرها العامة، وتحديد سقفها الزمني والإعلان عنه، والأهم هو الحديث عن مدى تأثيرها على الناس، ومدى استفادتهم منها، ومدى استفادة الدولة أيضاً من هذا التخطيط، والأرقام وإيرادها عامل قوة يعزز الكلام ويوضح تفاصيل وملامح هذه الخطط الناهضة.
هذا ما فعله الشاب الذي تبوأ مكانة عزيزة في قلوب العرب في فترة قياسية، وبات بالفعل «فخراً للعرب» و«فارساً» من فرسان التغيير والتطوير.
العالم ينظر للسعودية على أنها القوة الأقوى في ملف النفط، لكن حديث الأمير محمد يفاجئ كل هؤلاء المحللين، خاصة حينما يكشف عن خطط المملكة بشأن النفط، وأن الارتهان له ولتأرجح أسعاره ليس خياراً سعودياً على الإطلاق، وأن الرؤية التي تم إطلاقها غير معنية بوضعية النفط على الإطلاق، بل السعودية قادرة على العيش حتى 2020 من دون نفط.
الحديث عن «أرامكو» أراه بمثابة درس بليغ في ضرورة العمل بوضوح وشفافية، وأن تكون الأمور أمام عيون الناس والمختصين، وطبعاً هذا الفعل لا يقوم به إلا الواثق الذي يعرف ما هي أهدافه، ويعرف كيف يخطط، والأهم يعرف كيف يصحح المسارات إن حصلت أخطاء أو فوجئ بعثرات.
هذه السياسة لاحظناها منذ زمن تطبق في الشقيقة السعودية، لدرجة أن عملية التغييرات الوزارية التي تحصل، الكثير منها يتم تحت صيغة «الإعفاء» المباشر من قبل خادم الحرمين، الأمر الذي نقرؤه على أساس أنه عملية تصحيح وتعديل وإبدال للكفاءات بالأصلح والأكفأ، وهو أمر يكشف حرصاً على وجود الرقابة والمساءلة وأن هذه المناصب وجدت لا حتى «ترفع» من شأن أصحابها، بل على العكس وجدت ليخدم أصحابها الدولة والمواطنين، والتقاعس فيها «ينزل» الشخص ويقيله من موقعه.
القوة الاقتصادية التي ستخلقها السعودية عبر الفرص الاستثمارية الضخمة بحسب ما ورد في كلام الأمير، وحدها كفيلة بدق ناقوس طوارئ لدى القوى الغربية، والرؤية الاستراتيجية السعودية التي طرحت ستجعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما يندب حظه بسبب توقيت زيارته للسعودية، متمنياً لو أنه زارها بعد إطلاق الرؤية حتى يعرف تماماً أين ستكون مواضع أقدام الأمريكان في القادم من السنوات.
وفي شأن الإصلاح، نحييه على صراحة الكلام، فعام 2015 كان عام الإصلاح السريع، أمام العام الحالي فهو عام الإصلاح السريع والممنهج، وهو ما بانت ملامحه واضحة من خلال مضامين المقابلة، ومن خلال الرؤية الاستراتيجية التي تمتد لـ15 عاماً، ما يعني أن هناك أهدافاً عديدة وُضعت سقوف زمنية قصيرة لتحقيقها، بما يمثل التحدي الذي يتطلب عملاً مستمراً جاداً ودؤوباً.
بصراحة نرفع له القبعات والعقال، فهو يقول بصراحة إن وزارة ما «فشلت» في تحقيق ما هو مطلوب منها، وهو اعتراف ذكي يعني أن التصحيح قادم لا محالة.
وفي الحديث عن المساواة وإعانة متوسطي الدخل وما دونه، يسجل لحديث الأمير محمد الإعجاب، فهو يقول إنه لا يجوز ذهاب دعم الطاقة والماء للأثرياء، وأن من سيعترض من الأثرياء على إعادة التعرف التي ستخدم المستويات الأدنى سيصطدمون بالشارع، وأن التطبيق سيطال حتى الأمراء والوزراء.
هذه أجزاء مختصرة من حديث هذا الشاب السعودي القوي، فيها من الدروس الكثير، وفيها من التخطيط الاستراتيجي ما يعتبر أنموذجاً للنجاح.
والله لا نلام في حبنا للسعودية، وفي فخرنا واعتزازنا بأنها عمقنا الاستراتيجي وقائدة العرب ورافعة لواء الإسلام، عزها من عزنا.
حفظ الله المملكة وسدد خطى قادتها، وجمعنا معهم دائماً في وحدة ومحبة وعزة.
لله درك يا محمد بن سلمان.