أقول هنا «فقط»، لأن النجاح لا بد أن يقترن بالذكاء، وطبعاً لا بد أن يكون في مختلف مراحله، سواء ابتداءً من الفكرة وبعدها التخطيط والتنظيم وأخيراً التنفيذ.
لذلك دائماً ما نقول بأنك إن ترد صناعة الإنجازات وتحقيق النجاح، فإن سلاحك في هذا هم «الأذكياء».
الإنجليز يقولون في أحد أمثلتهم الشهيرة «القائد الذكي هو من يجعل الأذكياء يعملون لديه».
ونحن هنا سنعدل على المثل، ليكون بأن الذكي هو من يجعل الأذكياء يعملون معه، وحتى على الصعيد الاجتماعي المعادلة تصح، فالذكي تراه دائماً يرافق الأذكياء، وحتى الناجح لا يفترض به أن يسير إلا مع الناجحين، لأن النقيض له آثاره السلبية والخطرة عليهم، فلا نجاح للأذكياء في بيئة يسودها الغباء، ولا إنتاجية لشخص منتج وسط بيئة تعج بالأشخاص السلبيين غير المنتجين.
أعود للنقطة أعلاه، وأقول بأن الأذكياء هم من يصنعون النجاح، لأن مستوى ذكائهم لا يقبل بأقل من النجاح، وعليه نرى الإبداعات الإنسانية، والإمبراطوريات الاقتصادية والمشاريع اللافتة للأنظار، كلها يقف وراءها أذكياء.
بالتالي الذكاء الإداري من قبل المسؤول صاحب القرار يكون بإسناد المسؤولية والمهام والمشاريع الحساسة للأذكياء، وهو ما يفرض أن يكون «التمكين» في المسؤوليات للأذكياء الذين يقترن ذكاؤهم بارتفاع الإنتاجية والاحترافية والأهم طبعاً الإبداع والابتكار.
تنمية الذكاء البشري مسؤولية تتوزع مهامها بين الأسرة والمجتمع، إذ حينما تهتم بأبنائك وتنمي لديهم المدارك المختلفة، وحتى الهوايات التي لا يجب استصغارها، فإنها هنا تدفع عقولهم للعمل، وتدخلهم أطوار استخدام الإبداع العقلي، وكذلك المجتمع له دور كبير، سواء من خلال انتقاء الأجواء التي تنمو فيها هذه الطاقات وتتأثر بها، ومن ثم دور المدرسة ومستوى التعليم وطرائق تفجير القدرات والطاقات.
الدولة عليها مسؤولية أيضاً، من خلال استكشاف هذه الطاقات بعين فاحصة ودقيقة، تعقبها عملية الصقل والتدريب، والأهم بعدها التمكين.
لا أريد إثارة غضب أحد، لكن واقعنا في بعض القطاعات يقول بأن لدينا «أكوام من الغباء الإداري» موجودة، وهي التي تعيق عمليات التصحيح والتصليح والتطور.
نعم، يحصل ذلك حينما «تضيع» المعايير، أو لا يقام لها وزن، حينها نرى بعض المسؤولين الذين وصلوا لمواقعهم لاعتبارات أخرى غير الكفاءة والإنتاجية والمؤهلات والتميز والإبداع، هم من يقودون الأذكياء والموهوبين، هم من يتحكمون بكل مراحل العمل، والكارثة تكون حينما لا يكون للأذكياء يد في التخطيط، هنا نجد العجلة تسير للوراء، ونرى الإخفاقات، بل نجد بيئة خصبة لتزايد حالات الفساد الإداري والمالي.
تكسير مجاديف الأذكياء والموهوبين يدخلهم حالة ضياع سببها الإحباط وعدم الشعور بالتقدير، وللأسف لدينا أمثلة لأشخاص وصلوا لمناصب ذات قرار، هدفهم وشغلهم الشاغل البحث عن هؤلاء الأذكياء، لا لأجل تمكينهم أو منحهم الثقة أو إسناد الأمور الهامة لهم، بل لتحطيمهم وكسر شوكتهم، لأنهم في نظر هؤلاء مصدر تهديد.
نعم ولست أبالغ، هناك من يعتبر الأذكياء مصدر خطورة، ويفضل أن يكون حوله من المتملقين والمتمصلحين ومحدودي الذكاء، لأن هؤلاء عملية إدارتهم أسهل من شرب الماء، خاصة من تلك النوعيات التي ترى إرضاء المسؤول هو هدفها الأول والأخير، لا ضير إن حمل بشته، أو ركن سيارته، أو سار خلفه كحارس شخصي، أو عمل كجاسوس على الموظفين ينقل للمسؤول أحاديثهم ويزيد عليها من «البهارات».
في البحرين لدينا تعليم متطور باختلاف كونه خاصاً أو عاماً، ما يعني أن فرص تطوير الذات وبناء الفرد مهيأة، ولدينا فعاليات وأنشطة تهتم بالشباب، ما يعني أن الاهتمام موجود، لكن ما ينقصنا حتى اليوم هو تمكين هؤلاء الشباب، والبحث عن الأذكياء.
الدول لا تتقدم أبداً إن كان في مواقع المسؤولية غالبية من محدودي الذكاء أو القدرات أو ممن لا يمتلكون المؤهلات، قد تسير الأمور بشكل هادئ باعتبار أن التخطيط يأتي من الدولة ورأس الهرم، لكن النجاعة تكون بخلق قاعدة من الموظفين الأذكياء الذين يمكنهم مساعدة الدولة في التخطيط وينجحون في ترجمة الأهداف الرئيسة والرؤية العامة ويحولونها لنجاحات على أرض الواقع.
كم مسؤول لدينا يخاف من «الأذكياء»، ويعمل على تهميشهم وإبعادهم! وكم مسؤولاً في المقابل «ذكي» بحيث عيونه تراقب الأذكياء وترسم لهم خطاً سليماً للتطور الوظيفي والتمكين لقناعة بأن هؤلاء على يدهم يحصل التغيير ويتحقق التطوير؟
قد يقول البعض إننا ندعو للتمييز هنا، وأجيب بأنه نعم، هذا التمييز مطلوب لأجل تحقيق صالح البلد وتسجيل إنجازات لها، فالأذكياء عامل من عوامل قوة أي بلد، ولذلك تجدون دولاً تسعى وراء عقول وطاقات بلدان أخرى وتستقطبهم، بل وتنجح في سحب أعداد كبيرة منهم، خاصة إن كانت دولهم فيها نماذج لمسؤولين يحاربون الأذكياء وينفرونهم.
ابحثوا عن الأذكياء لتزيد لدينا الإنجازات، وليسود مجتمعنا الذكاء في حراكه ونمط عيشه.