تحت عنوان «تعرف على دولة الطوابير»، نشرت بعض الحسابات على «تويتر» مجموعة صور لمجاميع من الإيرانيين يقفون في طوابير يسودها الفوضى، إحداها للحصول على اللحم، وأخرى للحصول على الراتب، وثالثة لنيل فرصة لزيارة السجناء الذين تكتظ بهم السجون، وطوابير أخرى لمشاهدة عملية تنفيذ الإعدامات في بعض المناطق. لكن الصور التي نشرت تظل قاصرة عن كشف واقع «دولة الطوابير»، وحالة مواطنيها الذين يدهش المرء من قدراتهم العالية و«صمودهم» في تحمل هذا النظام، الذي يجثو على صدورهم منذ قرابة أربعة عقود.
من نشر تلك الصور أرفق بها تعليقاً مهماً فكتب «اللهم أدم علينا نعمة ديننا وصلاح مليكنا ورغد عيشنا»، وهي عبارة تغني عن المقارنة بين أحوال الناس في إيران حيث حكم الملالي وأحوالهم في دول مجلس التعاون، حيث حكم من يعتبر مسألة إسعاد شعبه أمانة في رقبته وتحدياً، تماماً مثلما تظهر تلك الصور كيف أن الوقوف بذلك الشكل الهمجي الذي أظهرته الصور يعتبر في إيران وقوفاً في طابور، ومنظماً!
لن يطول الوقت حتى يثور الشعب الإيراني الذي ذاق كل أنواع الويل والقهر خلال العقود الأربعة الأخيرة على واقعه ويرفع حتى الرضع منهم لافتات تعبر عن رفض العيش تحت حكم هذه الفئة التي رفعت كل الشعارات الجميلة جهراً وحاربتها سراً. ليست هذه نبوءة ولكن كل من يتابع أحوال الناس وممارسات الفئة الحاكمة في إيران لا بد أن يصل إلى هذا الاستنتاج، فالتوقع هنا يتعلق بموعد ثورة الإيرانيين على ملاليهم وليس توقع أن تحدث ثورة، فمثل هذه الحال إن لم توصل إلى ثورة ضد السلطة في إيران فإنها تعني أن الشعب الإيراني يعاني من خلل في عقله وفي كل شيء.
ما حدث خلال العقود الأربعة الأخيرة هو أن السلطة في إيران ابتزت المواطنين الإيرانيين وأخرجت كل ما تحتويه جيوبهم وصرفته في إنتاج أسلحة فتحت عليها أبواب الجحيم وتورطت في كل الأراضي. بدا الأمر وكأنه يتم ضمن مخطط يرمي إلى إفقار هذا الشعب المسكين وشغله بإلقائه في أتون حروب لا تنتهي باسم الدفاع عن الدين تارة، وتارة باسم الانتصار للمذهب ولحقوق الإنسان وللمظلومين.
إن دولة تمتلك كل هذه الثروات كان يمكن لها أن توفر النموذج الذي يمكن أن تأخذه دول العالم مثالاً تقتدي به، وكان بإمكانها أن تغير الكثير من أحوال المنطقة برمتها، وليس منطقة دول مجلس التعاون. لماذا ورطت نفسها وصارت تعادي جيرانها وكل العالم وتمارس كل دور سلبي باسم الانتصار للمظلومين؟ أسئلة لا يمكن لأحد أن يوفر إجاباتها سوى السلطة في إيران، التي من الواضح أنها قررت أن يصير في عنقها ذنب كل أولئك الذين أجبرتهم على الوقوف في طوابير للحصول على أي شيء ولم تكلف نفسها حتى عناء تنبيههم إلى أن وقوفهم بتلك الطريقة لا يعبر عن أناس ينتمون إلى البشرية.
تلك هي إيران وهذا هو حكم ملاليها، وهذه هي دول مجلس التعاون وهذا هو حكم أبنائها الذين أجبروا العالم على عدم إدراج أسماء بلدانهم في قائمة دول العالم الثالث، ذلك أن حال دول مجلس التعاون من دون استثناء لا يشبه حال أي دولة تنتمي إلى دول العالم الثالث.
لن يتأخر الإيرانيون الذين ذاقوا الويلات من حكم الملالي عن الإعلان عن ثورتهم وسيتعاطف العالم بأسره معهم، فالعالم كله تابع ولايزال يتابع ما فعله ويفعله أولئك الذين استولوا على السلطة في الإنسان الإيراني المسكين الذي صار كل همه أن يجد لنفسه موطئ قدم في طابور غير منظم كي يحصل على قطعة لحم أو راتب هزيل أو إذن لزيارة سجين.