والله قلنا هذا الكلام مراراً، وسنعيد قوله، إذ أكثر ما يصنع «جلبة» في الشارع، و«فوضى» لدى الناس، ويشعل فيهم القلق والخوف، هي تلك التصريحات أو البيانات «الضبابية» وغير الواضحة في مضامينها.
كنا نقول في السابق إن هذا الأسلوب يدخل في إطار استخدام «بالونات الاختبار»، بحيث يثار موضوع ما، ومن جهة ما، بغض النظر إن كانت محسوبة على الحكومة، أو المؤسسات المدنية، أو حتى الجماعات باختلافها، والهدف طرح موضوع ما، وانتظار ردة فعل الناس، وبعدها التقرير بشأنه.
هذا الأسلوب هدفه معرفة «مزاج» الشارع، بحيث هل الخطوة التي سيتم الإقدام عليها سيقبلها الناس، أم أنهم سيرفضونها، وستكون لها تداعيات سلبية.
لكن وللأسف ما نرصده في الآونة الأخيرة، بأنه حتى لو وجدنا حالات يمكن أن تصنف على أنها «جس نبض» أو «بالون اختبار»، فإن التوجه الذي يتم السير فيه دائماً ما يولد استياء من شرائح عديدة في المجتمع، وتحديداً الشريحة التي نصفها بأنها من ذوي الدخل المتوسط والمحدود.
حينما يخرج مسؤول ما، ليتحدث في شأن ما يمس المواطنين، فرجاء رجاء رجاء، ليكن كلامه واضحاً ومباشراً من دون «تشفير»، المواطن لا يريد كلاماً لا يفهمه، لا يريد كلاماً فيه ألغاز واحتمالات، لأن هذا حصل في مرات سابقة وتأثر بها الناس، حصلت في الإسكان واشتراطاته، حصلت في ملف إعادة توجيه الدعم، حصلت بالنسبة لرفع أسعار البنزين والتي أقرت وطبقت بين ليلة وضحاها.
والله لا نحتاج لخطاب غير مباشر، المواطن البحريني صار يتأثر سلبياً ونفسياً بسبب ضبابية بعض التصريحات، حتى لو كانت تحمل صدمة أو فيها أمور ستضايق الناس، فالأفضل أن نتحدث معهم بصراحة ووضوح، لا أن نجعل الأمور معلقة بأسلوب «يمكن إي، يمكن لا» ثم نفاجئ الناس بالقرار.
مجلس النواب كان ثمرة من ثمرات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله، والهدف منه بأن «يشارك الناس الدولة في صناعة القرار»، وهذا من خلال النواب الذين ينتخبهم الناس، بمعنى أنه حتى في لوائح تأسيس البرلمان ذكر مصطلح «المشاركة في صناعة القرار»، ما يعني وجوب البعد اليوم عن أية قرارات لا يشارك الناس في صنعها أو الإدلاء بدلوهم بشأنها.
نعم، ما أكتبه هنا معني بما تداول مؤخراً بشأن التفكير في تغيير آلية «تقاعد المواطنين»، إذ هناك ما انتشر في وسائل التواصل وتداوله الناس، وفيه كان القول إن القرار سيتخذ في فترة الإجازة البرلمانية أي أن مسألة «المشاركة في صنع القرار» ستكون منتفية، وانتظرنا طبعاً التصريحات الرسمية لتؤكد هذا أو تنفيه، مع أمل الناس بأن يكون النفي هو سيد الموقف، لأننا نتحدث هنا عن مسألة ستمس المواطنين بشكل مباشر، وسيكون تأثيرها واضحاً وتداعياتها حتى على الصعيد النفسي والصحي، والله لسنا نبالغ حين نقول ذلك.
حتى تصريح وزير المالية بشأن الموضوع لم يحسم الجدل والتكهنات والتوقعات، ومعه لم نعرف ما إذا الذي انتشر من أخبار سيحصل أم أنها شائعات، لكن ما تأكد للناس بأنه بالفعل هناك توجه لتغيير آلية التعامل مع «تقاعدهم».
هنا نقول إننا نطالب أولاً الجهات المعنية ببيان صريح وواضح بشأن هذا الموضوع، كونه يمثل موضوعاً مهماً وحساساً بالنسبة للناس، نطالب أن يطلعوا الناس على المقترحات التي يدرسونها قبل أن يطبقوها، لا أن تقر المسألة وتصبح أمراً واقعاً مثلما حصل مع البنزين.
ثانياً، نطالب مجلس النواب بأن يتحرك ويأخذ خطوات استباقية بما يحمي مصالح الناس ومكتسباتهم، مع التشديد على عدم تضرر المواطن وعدم المساس بجيبه ومعيشته، وألا يتم الإخلال بالحقوق المكتسبة، لأن ما يحصل لنا اليوم جراء الأزمة الاقتصادية وأسعار النفط لا بد وأن يحركنا للبحث عن حلول لكن «حلول بعيدة عن معيشة وجيب المواطن». هذه نقطة لا يجب نسيانها.
والله أتمنى صدور بيان ينفي الموضوع جملة وتفصيلاً، بيان رسمي يقول إن حقوق المتقاعدين ونظام المتقاعد لن يمس ولن يتغير، إذ ما يتحدث فيه الناس أن سن التقاعد سترفع، وأن مكافأة نهاية الخدمة ستلغى، في المقابل نسبة الاشتراك الشهري في صندوق التقاعد ستزيد بواقع 1%.
المواطن لم يتبق له إلا هذا التقاعد يا جماعة، رجاء لا تضيقوا عليه فيه، دعوا الناس تتقاعد في سن معقولة لا في سن يقارب السبعين، الأجانب يتقاعدون ليبدؤوا النصف المتبقي في حياتهم ليرتاحوا من تعب العمل لعقود، ونحن لدينا الناس تتقاعد ويصف الشخص نفسه بأنه «مت قاعد»، لأنه يخرج ولا يفصله عن متوسط العمر الافتراضي للإنسان إلا سنوات.
نرجوكم باسم الناس، إن كانت من أية أفكار، فلتكن في اتجاه رفع نسبة الزيادة للمتقاعدين، وتقليل السن القانوني للتقاعد للمرأة والرجل، وتحسين مزايا التقاعد، لا العكس.
نأمل أنكم تسمعوننا وأنكم ستعملون بناء على ما يطالب به الناس، والأفضل -كما قلنا- ألا يكون للمسألة أساس من البداية.