هل تعتبر «الهوشات» البينية التي شهدتها بعض القطاعات في البحرين دليلاً على المناخ الصحي للعمل فيها؟ أم أنها تصرفات تصرف أنظار العاملين من أجل الوطن لقضايا هامشية تمنعهم من العطاء والانشغال لما فيه صالح المجتمع والدولة؟
«هوشات» داخل المجلس النيابي، وأخرى في غرفة تجارة وصناعة البحرين، وبعضها امتد داخل الملاعب الرياضية، فهل هذه الهوشات تنبئنا عن مدى وعي الناس بضرورة الاختلاف، وأنها من الأمور الطبيعية داخل المجتمعات الديمقراطية والحرة؟ أم أنها صراعات على مكاسب شخصية ربما تفوح رائحتها مع كل محاصصة حول حجم وطبيعة تلكم المكاسب؟
من الصعب أن نقبض على الحقيقة في ظل كثير من الإرهاصات والشائعات التي تعتري كل صراع يحيط أية مؤسسة رسمية وغير رسمية، فمحاكمة النوايا تعتبر من الأمور الخطيرة وغير العلمية للوصول إلى حقيقة الأمر، واستخدام هذا القياس لمعرفة من هو الوطني ومن هو المخلص ومن هو العامل الصادق ومن هو غير ذلك ربما تعتبر من الأمور المعقدة والصعبة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بكشف النوايا ومحاسبة الضمائر، لكن يمكننا الوقوف على كميات العمل التي قد يؤديها الإنسان من أجل مجتمعه ووطنه لنتعرف من خلالها على نوعيته وهو الأهم، فالعمل في الغالب يجب أن يكون مقدماً على الشعارات والكثير من الصراخ، لأنه المقياس الطبيعي لمعرفة معادن الرجال ومواقفهم الوطنية الحقة.
لا يعني قبولنا «الهوشات الصحية» أحياناً هو أننا يجب أن نتقبلها في كل شأن محلي، بحجة أنها من مظاهر الحرية والديمقراطية، فبعض «الهوشات» تعتبر حالة طبيعية للاختلاف، وتزول بزوال السبب فتعود المياه لمجاريها، أما «الهوشات» التي تحتوي على الكلمات السوقية الرخيصة والحركات الصبيانية غير المتزنة فإننا ضدها في الشكل والمضمون، وفي كل الأوقات والأحوال، كما لا يمكننا أن نبرر إطلاقها في مجتمعات العمل أو تحت قبة البرلمان أو في صالاتنا الرياضية أو في مؤسساتنا الرسمية تحت ذريعة الديمقراطية، لأن الكثير من «الهوشات» التي نشاهدها اليوم ليست من النوع الذي يكتسب صفة الحالة الصحية لها أو الديمقراطية عنها، وإنما هي مجرد «هوشات» لا داعي لها أن تحدث في مناخات ربما يستطيع الإنسان أن يستبدلها بوسائل وأساليب معبرة قد تكون أكثر رقياً وتحضراً من «هوشات» سوقية ربما تحرج الوطن قبل أن تحرج المواطن.
في الوقت الذي لا نريد أن نحاكم النوايا، لكننا نستطيع محاكمة السلوكيات والألفاظ حين تخرج عن سياقها المألوف لتستقر في أذهاننا كعيبٍ أو جرم في حال كانت الهوشات خادشة للحياء أو معبرة عن كميات الإخفاقات التي عادة ما يلجأ إليها كل «مهاوش» حين يفشل في تحقيق نجاحات صامتة لكنها في ذات الوقت «ناجزة» بكل المقاييس.