قبل أيام أصدر وزير العدل بإحدى دول مجلس التعاون أمراً بوقف نشاط داعية عربي وترحيله إلى بلاده «بسبب خوضه في أمور طائفية وظهوره في مواقع التواصل الاجتماعي وهو يخوض في تلك الأمور». قرار وإن بدا قاسياً إلا أنه يعتبر من قرارات الضرورة في هذه المرحلة التي انحرف فيها كثير من رجال الدين عن دورهم الإرشادي والدعوي ودخلوا في مساحة لا يأتي منها إلا الأذى وإن لم تكن هذه نيتهم. قرار ينبغي ألا يختلف اثنان على أهميته والقول إنه صحيح وإنه يجب أن يتكرر كلما توفرت حالة من مثل تلك الحالة التي استدعت ترحيل ذلك الداعية في أي دولة خليجية.
لسنا في حاجة إلى هذا النوع من الدعاة الذين يتركون الدور المنوط بهم ويمارسون بتناولهم للموضوعات الطائفية دوراً تحريضياً يقود إلى الفتنة ويفتح للشر أبواباً ونوافذ، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها كل دول المنطقة.
مقابل هذا الداعية وأمثاله الذين خلطوا بين الدين والسياسة ورأوا أن رجل الدين إن لم يكن «ثائراً» فلا قيمة له، يتوفر رجال دين ينبغي أن يعينهم الجميع على توجههم بسبب فهمهم لطبيعة المرحلة، وسعيهم لنشر المحبة في المجتمع ولم الشمل. من أولئك على سبيل المثال الشيخ ناصر بن الشيخ أحمد خلف العصفور رئيس محكمة الاستئناف الجعفرية وقاضي التمييز وعضو مجلس القضاء الأعلى وإمام وخطيب جامع عالي الذي زار أخيراً مجلس أحمد جناحي بالمحرق وألقى محاضرة عنوانها «واقع الأمة بين الاختلاف والائتلاف» تناول فيها «الكوارث المستقبلية التي ستلحق بالأمة جراء اشتداد الخلافات والتناحر»، وتفاعل معها رواد المجلس وأكدوا موقفهم المبدئي القائم على مواجهة مخاطر الصراع المذهبي.
أما الشيخ العصفور نفسه فقد بدا فرحاً بما لمسه من روح إيجابية لدى حاضري ذلك المجلس، الأمر الذي حدا به إلى الإشادة بالروح البحرينية الأصيلة في خطبته الجمعة الفائتة، آملاً بذلك تعزيز توجه تحتاجه دول المنطقة والبحرين بشكل خاص في هذه المرحلة التي هي قاسية على الجميع وتتوفر فيها كل العوامل المعينة على سيطرة الشر بأنواعه.
نحن إذن أمام نوعين من رجال الدين، نوع يفرق، ونوع يجمع ويوحد، نوع فهم دوره بشكل خاطئ ولسانه يوقعه في الغلط بسهولة، ونوع يحسب ألف حساب للكلمة، قبل أن تخرج من فيه، نوع يتسبب بفعله العداوة بين أفراد المجتمع الواحد، ونوع يمنع ذلك ويحض على الخير والتواصل والتآزر، نوع يعتقد ويسعى إلى نشر اعتقاده الذي ملخصه أنه وأتباعه فقط هم الفرقة الناجية وأن الجنة لا تسع سواهم، ونوع لا يهمه من تكون ولا مذهبك، ويكفيه أنك مسلم وأنك تحب وطنك، وتسعى إلى خيره وخير الإسلام. ليس بيننا في هذه البلاد من لا يحترم رجال الدين، ويعلي من مكانتهم ويقدرهم، وليس بيننا من يهينهم أو يتناولهم بسوء، لكن الجميع يقف في وجه رجل الدين أياً كان مقامه لو تبين أنه ابتعد عن دوره المتمثل في الإرشاد وبيان الغامض وما يستشكل على الناس من أحكام الشرع ويحثهم على التمسك بمبادئ الدين وتعليماته، ودخل في مساحة لا علاقة له بها أياً كانت الأسباب والحجج، خصوصاً في هذه المرحلة التي يحتاج فيها هذا الوطن إلى الكلمة الطيبة التي تجمع وتؤلف بين القلوب وتعين على تجاوز ما جرى.
ثناء جميل يستحقه بعض رجال الدين، وقسوة صار لا بد منها يستحقها رجال دين آخرون، وما يحتاجه هذا الوطن اليوم هو وجود رجال الدين المدركين لدورهم في مختلف مجالس البحرين لحث الناس على التآلف والمحبة والابتعاد عن كل ما قد يكون سبباً في التفرقة والإساءة إلى هذا الوطن الجميل.