كانت زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، لجمهورية مصر العربية، واحدة من أبرز الأحداث السياسية في المنطقة، زيارة انتظرتها مصر، وافتخرت بها، قيادة وحكومة وشعباً، ونالت تغطية إعلامية واهتماماً سياسياً غير مسبوق من كافة الدوائر، لما لها من أهمية استراتيجية وأمنية واقتصادية في وقت تحاط فيه منطقتنا العربية من كل الاتجاهات بالتحديات والصراعات العسكرية والسياسية، إلا أن التاريخ المشترك من الأخوة والتعاون والمحبة يظل السياج الحامي لكل منهما في مواجهة كل هذه الأحداث.
فالاشتراك في الدين واللغة والتاريخ ليس فقط هي الأطر التي تجمع البلدين، وإنما إطارا المصالح والرغبة في العيش في أمن وسلام أيضاً، عن طريق دعم كل منهما للأخرى، ومساعدة كل منهما للأخرى، على مواجهة تحدياتها، سواء الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية، حيث تدعم كل منهما الأخرى، في ظل الرياح العاتية التي تجتاح منطقتنا العربية خلال السنوات الماضية، والتي تغذيها دول عديدة تعمل جاهدة على عدم استقرار كل منهما، فتحديات كل دولة منهما كثيرة، ولذا باتت كل منهما سنداً سياسياً للأخرى، وعمقاً استراتيجياً لها، فالعالم يميل للتكامل في كيانات كبيرة تحمي كل منها الأخرى.
إن أبرز ما يميز مصر والبحرين هو وجود قيادات رشيدة وحكيمة شهد لها الجميع بالحكمة في إدارة الأزمات، وكذلك وجود شعبين طيبين محبين للسلام والتسامح والروح الإنسانية والعمق الثقافي والحضاري الكبير، وهذا ما أنتج علاقات وطيدة بين الشعبين على مر السنين، ودشن جسوراً من التفاهم والتنسيق في الخطاب السياسي ورؤيته للقضايا الإقليمية والدولية المختلفة.
والقيادتان في كلا الدولتين وضعتا هذا النهج التكاملي بين البلدين، منذ سنين طويلة فإذا كانت السنوات الأولى من القرن العشرين شاهدة على قدوم أول بعثة تعليمية مصرية للبحرين عام 1919، فإن العقود الماضية شاهدة على استمرار التعاون وتنوعه في كل المجالات، وعلى أعلى المستويات، فزيارات الرئيس الأسبق حسني مبارك للبحرين في 2004 و2009 و2010، وكذلك زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي في أكتوبر العام الماضي للمشاركة في منتدى حوار المنامة، ولقاؤه بجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، لهي أدلة دامغة وبراهين عملية جلية على استمرار هذا الدعم والتعاون من ناحية، ورسائل سياسية واضحة وصريحة لكل القوى الطامعة في البحرين، والراغبة في تهديد أمنها القومي، بأن مصر جاهزة كسند وعمق استراتيجي ضد أي قوى تهدد البحرين وتسعى للنيل من استقرارها، وما مقولة الرئيس والقائد عبدالفتاح السيسي الشهيرة «مسافة السكة» إلا خير دليل وأبرز ضمانة على الالتزام المصري نحو الأمن القومي الخليجي. في المقابل فإن مساندة البحرين لمصر عسكرياً واقتصادياً هي خير دليل على سند البحرين لمصر، فوقوف البحرين بجانب شقيقتها مصر في حرب أكتوبر 1973، كان عبر تجهيز قوة عسكرية لمساندة مصر، بجانب وقوفها مع شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي باتخاذ قرار منع تصدير النفط الخليجي عام 1973 للدول التي ساندت إسرائيل في عدوانها على مصر، مما كان له الأثر الكبير في حسم المعركة لصالح العرب، وخلق نوع جديد من العلاقات السياسية مع الدول الغربية، علاقات تقوم على احترام الإرادة العربية والوحدة العربية والقرار العربي المشترك وقت الأزمات بجانب مراعاة الحقوق العربية والتوقف عن الدعم الكامل لإسرائيل في اعتداءاتها ضد الدول العربية.
إن زيارات جلالة الملك حمد بن عيسى العديدة لمصر، ومنها حضوره افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة في أغسطس 2015، وزياراته السابقة لمصر في مارس 2015 لحضور القمة العربية وكذلك حضوره مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري واستقبال الرئيس السيسي لجلالته، بجانب العديد من الزيارات السابقة في 2010 و2013، وغيرها من الزيارات، لهي خير دليل على مساندة ودعم البحرين لمصر وحب القيادة السياسية للشعب المصري وقيادته.
فالعلاقات بين البلدين هي علاقات تاريخية ومتنوعة تعود بالنفع على كلا البلدين، وهذا ما جعل الاهتمام بها على أعلى المستويات وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والعسكرية لإيمان البلدين أن كلاً منهما عمق استراتيجي للآخر وسند حقيقي وقت الأزمات.
* أستاذ الإعلام بجامعة البحرين