اتت الرؤية السعودية 2030 لتعلن عن خفض اعتماد المملكة على النفط، وقد يتساءل البعض، لماذا تتخلى المملكة عن النعمة التي ميزها بها الله عن باقي الدول؟ إن عدم الاعتماد على النفط ضرورة، لأن النفط الخام مصيره مصير الفحم الحجري. وبينما يرى البعض في أفول عصر النفط فاجعة لدول الخليج، فرب ضارة نافعة، لأن الاستقلال عن النفط بداية تحول وطني للمملكة وانتقال الاقتصاد من النمط الريعي إلى النمط المنتج مما سيكون له انعكاسات إيجابية مهمة على المجتمع.
فالمملكة هي الرائدة في منظمة «أوبك»، وهي الفاعل الرئيس في سوق النفط العالمي، وهي التي يمكنها أن تنتج النفط بالرغم من انخفاض سعره. فالمملكة هي المنتج الأقل كلفة للنفط، فكلفة البرميل تبلغ نحو 10 دولار في ظل الانخفاض، ولا يزال بإمكان المملكة إنتاج النفط بشكل مربح، ولكن لا يمكن الاعتماد على النفط على المدى البعيد لعدة أسباب.
فاليوم هناك انخفاض في سعر النفط بالرغم من الاضطرابات، بينما في العقد الفائت كان كل اضطراب يصاحبه ارتفاع في الأسعار، أما اليوم السعر في انخفاض، وانخفاض السعر يعود إلى أن الطلب على النفط لا يلاقي العرض. وهناك عرض في زيادة إنتاج النفط الجوفي، كما أن الطلب من الصين قد انخفض بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي الذي تعيشه، كما أن التكنولوجيا اليوم قادت إلى إنتاج سيارات وآليات تستهلك كميات أقل من المحروقات لذلك فالطلب على الطاقة يقل.
وهناك عدة مصادر تؤمن بدائل لنفط الخليج، بالإضافة للنفط الجوفي، ومنها الطاقة النظيفة. وهناك اعتبارات بيئية تدفع العالم للتقليل من الاعتماد على المحروقات التي تؤدي إلى تلوث البيئة، بسبب انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. وفي موتمر باريس الذي عقد في ديسمبر 2015 اتفقت 195 دولة على اتخاذ إجراءات للحد من الاحتباس الحراري بـ 25 درجة مئوية ولخفض 40 % من الانبعاثات الكربونية في 2030، ما يفتح المجال ويشجع الاستثمارات في الطاقة النظيفة. وقد وافقت الدول المتقدمة على توفير مئة مليار دولار حتى عام 2020 من أجل المحافظة على المناخ ما يعني استثمارات كبيرة في مجال الطاقة البديلة التي لا تلوث البيئة.
ولا شك في أن النفط والغاز الجوفي يمثلان ثورة في تكنولوجيا النفط، وهو ما يطلق عليها «ثورة النفط الجوفي»، فالتكنولوجيا شجعت على الاستثمار لاستخرجه من خلال الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي، وبالرغم من أن الانخفاض في سعر النفط قد قلل من الجدوى الاقتصادية للنفط الجوفي، فما هي إلا مسألة وقت حتى تستطيع التكنولوجيا أن تعيد للنفط الجوفي جدواه الاقتصادية حتى يستطيع منافسة النفط الخام ، لذلك لا يمكن لدول الخليج والسعودية الاعتماد على النفط كركيزة للاقتصاد، فالاستقلال عن النفط هو القرار الصائب.