بداية نقول هنا، بأنه يفترض من كل نائب في البرلمان أن يتذكر شكله ووضعه وحاله خلال فترة الدعاية الانتخابية، وكيف أن كل واحد فيهم كان «يتحمل» أي شيء يطاله من الناخبين، سواء استفسارات أو أسئلة لا تنتهي أو حتى النقد، لأنه في النهاية يريد أن يقنعهم ببرنامجه وبناء عليه يتحصل على ثقتهم وأصواتهم.
لابد على كل نائب أن يتذكر «البدايات» قبل أن يصبح نائباً، وألا ينسى الناس الذين بفضل أصواتهم وصل، وألا يقول للناس «تمنون علي»، لأن هذا أصلاً حقهم، فهم أوصلوك لتحقق مطالبهم وتدافع عن حقوقهم، بالتالي إن أنت أخليت بوعودك، فمن حقهم أن «يمنوا» عليك بأصواتهم، ويذكروك باليوم الذي كنت «تطلب» أصواتهم، وفتحت مقرك الانتخابي وخيمتك وملأتها بالضيافة وأقمت فيها الندوات واللقاءات.
أذكر بهذا، لأن ما نراه اليوم بعيد كل البعد عما كنا نترقبه من النواب، خاصة وأن كثيراً منهم يطالعنا بأمور تجعلنا نستغرب، إذ هل هذا الأداء الذي وعدت الناس به؟!
وعليه أضم صوتي لصوت رئيس مجلس النواب الأخ أحمد الملا فيما قاله في بداية الجلسة الأخيرة تعقيباً على السجالات الشخصية والمواجهات الفردية التي باتت تحصل بين النواب، بغض النظر عمن يكون صاحب الحق، إذ هذا الوقت الذي يضيع في «الهوشات» هو وقتنا نحن الناخبين، أنتم مطالبون بأن تستثمروه للحديث عن الناس، لا عن أموركم الشخصية وخلافاتكم.
مجلس النواب اليوم عليه مهام جسيمة، خاصة وأن هناك جلسات معدودة تفصلنا عن الإجازة النيابية الطويلة، والتي إن بدأت فإن هناك أموراً مهمة ستظل معلقة، ومعها قد تكون هناك خطوات حكومية تسبق حراك النواب الذي سيبدأ في بداية دور الانعقاد القادم.
وهنا نقول خيراً ما فعل بعض النواب في الجلسة الأخيرة من تطرقهم لملف التقاعد واقتراح رفع الحد الأدنى للمتقاعدين، لكن مع ذلك فإن هذا الملف، أي التقاعد، لابد وأن يركز فيه النواب جميعهم، لأن المؤشرات السلبية باتت تطغى إزاء ما يتم تداوله، وأصبح الناس في حالة قلق ويبحثون عمن يوصل صوتهم.
نعم، بإمكان الصحافة أن توصل كلام الناس، بل ترفع مناشداتهم لقيادة البلاد بخصوص ملف التقاعد، والمطالبة بألا يتم تطبيق ما يتم تداوله من إلغاء مكافأة نهاية الخدمة ووقف شراء السنوات ورفع السن التقاعدي، بالإمكان ذلك مع الثقة بالدولة والحكومة بأخذها صوت الناس في عين الاعتبار، لكن في المقابل من باب أولى أن يكون النواب هم من يدافع عن الناس.
نقول ذلك معاتبين المعنيين بالملف المالي في البحرين، سواء أكانت وزارة المالية أو غيرها، إذ الإجراءات الأخيرة التي اتخذت غالبيتها صبت في اتجاه تضرر منه الناس، وضيق عليهم معيشتهم وأثر على مداخيلهم، وكل هذه الأمور تتعارض مع ما يقوله المسؤولون بأن عملهم يهدف لمنع تأثر الناس وحمايتهم من الضرر جراء تبعات الأزمة الاقتصادية والدين العام إضافة لتذبذب أسعار النفط.
اليوم إن كان من توجه لدى بعض الوزارات في الدولة لإقرار خطوات وسياسات من شأنها التأثير على الناس، وإدخالهم في حالة «تقشف» بدل العمل على تحقيق «الرفاهية» الموعودة، فإن مجلس النواب هو الذي يجب أن يتحرك للدفاع عن حقوق الناس وحمايتهم من التأثر.
تعبنا ونحن نقول إن سبب العجز الاكتواري ليس الناس، وأن ما توثقه تقارير ديوان الرقابة المالية سنوياً من هدر مالي وإخلال إداري ليس سببه الناس، وأن الملف الاستثماري وعدم فاعليته المؤثرة ليس سببه الناس، وأن ترنح أسعار النفط ليس سببه الناس، وعليه فإنه لا يجب أن يكون الناس هم من يدفع ضريبة كل هذه الأمور من خلال زيادة رسوم عليهم، أو رفع سعر الخدمات أو تعطيل حقوقهم التقاعدية وغيرها.
بالتالي يا إخواننا في مجلس النواب، هلا أوقفتم هذه المهاترات وهذه «الهوشات»، والله هي التي تزيد من تشويه صورتكم، وهي التي تزيد في اتساع هوة الثقة بينكم وبين ناخبيكم.
ملف التقاعد لا يجب أن يتم التعامل معه مثلما تعاملتم مع ملف إعادة توجيه الدعم بشأن اللحوم، ولا بشأن إعادة تعرفة الكهرباء والماء، ولا مثلما حصل مع زيادة أسعار النفط، هذا الملف فيه مساس مباشر بحال المواطن، مساس بمدخوله وجيبه، بل مساس بسنوات خدمته وعمره.
إن لم يكن المواطن يستطيع التعويل على من صوت لهم ومنحهم الثقة في هذا الملف بالذات، فعلى ماذا سيعول مستقبلاً؟!