طلب مني العديد من الأخوة القراء أن أوضح أكثر ما المقصود من النماذج التي ذكرتها في مقالي السابق المنشور بتاريخ 16 أبريل 2016 تحت عنوان «كيف تصبح ثرياً؟».
التجارب التي ذكرت في المقال السابق جميعها اشتركت في عدة عناصر نجاح، أهمها أنهم استطاعوا أن يجدوا شريحة لم يتم تلبية احتياجاتها، وهو ما يسمى في إدارة الأعمال فجوة في السوق.
هذا العنصر من أهم عناصر نجاح أي مشروع، ليس الوحيد، ولكنه على رأس القائمة، فالأمور الأخرى مهما كانت أهميتها لن تنهض بمشروعك سريعاً، وتمكنه من النجاح إذا لم يكن هذا العنصر هو الأساس.
كيف تتشكل هذه الفجوة؟ هناك اتجاهان، أما أنها موجودة وعليك اكتشافها، أو يطلقها ابتكارك. تنشأ الفجوه نتيجة ضعف التوزيع أو تردي الخدمة أو عدم رضا العملاء عن جودة المنتج المقدم لهم، أو عدم قدرة اللاعبين على تلبية احتياجات الشريحة المعنية أو سعر منافس أو عن خلق طلب من خلال مبتكر «خدمة أو منتج» جديد. قليل جداً من مؤسسات الأعمال الصغيره والمتوسطة من يبحث عن الفجوه، وفي أفضل الأحوال يبحث البعض عن الطلب وحجم الطلب، وهل هناك نقص يستطيع تلبيته ويتناسى أنه من بين اللاعبين القائمين في السوق من قد يحصل على التمويل اللازم فيقفز من موقعه المتأخر ليصبح هو سيد الموقف، في الوقت الذي يهم لاعب جديد بدخول السوق أو دخل فعلاً فتكون النتيجة دامية مالياً خاصة للاعب الجديد.
في أغلب الحالات يُقدم اللاعب الجديد على دخول السوق بناء على معلومات ودراسة سطحية عن نجاح اللاعبين الآخرين في السوق، وعن نظرة سطحية لازدهار الطلب على ما يقدمونه، مثل ازدحام العملاء دون النظر إلى العناصر الأخرى. خاصة في قطاع التجزئه حيث يقيس الكثيرون نجاح فرصته باكتظاظ العملاء عند محل بعينه وتكون الطامة الكبرى أن يقرر أن يفتح مشروعه بجواره أو بالقرب منه، ولا يدرك أن ما قد يفعله هو أنه قرر أن ينافس المحل أو المحال الأخرى القائمة على نفس قطعة الكعكة دون أن يقدم إضافة حقيقية تميزه عنهم فيستقطب عملاء جدداً، ويخلق تنافساً قائماً على التجديد والتطوير.
في أغلب الحالات التي تتجاهل الفجوة وتركز على نظرة سطحية مبسطة للطلب في أغلب هذه الحالات تكون النتيجة خسارة جسيمة وقاتلة تؤدي إلى أن ينسحب أحدهم من السوق لأنه لم يعد مجدياً الاستمرار فيه.
في كل التجارب التي ذكرت تمتع أصحابها بنظره ثاقبة وجرأة وإقدام، حيث كان كل من حولهم يراه إبحاراً في المجهول، فهم لم يستنسخوا الآخرين، بل اكتشفوا في السوق «حاجة حقيقية»، مثل في حالة فان كلويفرت الهولندي، أو الراجحي، أو السعودية نورة مطاري «في مشروعها الأخير»، أو أوجدوا السوق في حالة بائع المرطبات والحلويات السعودي عبدالعزيز السليم أو جاك الصيني.
الحالة الثالثة وهي أن تبتكر شيئاً لم يكن موجوداً، وهو الذي يخلق لك مشروعاً استراتيجياً يمتد لسنوات، المشكلة في هذه الحالة أن مجتمعاتنا لا تشجع على الإبداع والابتكار وأقصد بذلك ثقافة المجتمع وسياسات الدول والجهات الراعية. وسنتعرض لتجربة أقل ما يقال عنها أن أفرادها كانوا أبطالاً في إصرارهم ومواجهتهم لثقافة مجتمع رفضت إعطاءهم الفرصة، ليظهرواعبقريتهم وقهرتهم المؤسسات المسؤولة فماتوا وهم أحياء.
اكتشاف الفجوة ليس وحده السبب في كيف تصبح ثرياً؟ ولكنه الأهم بين عناصر أخرى من ضمنها إدارة تمويل مشروعك وليس مبلغ التمويل، وسنتطرق لها بأمثلة ونماذج في مقالات قادمة.
تذكروا أن كل أصحاب النماذج التي ذكرتها كانوا مفلسين أو أفراداً بقدرات مالية عادية جداً، ولم يرثوا ثروة بل صنعوا ثروة، أنت بحاجة لأن تطور عقليتك وثقافتك واطلاعك لتصنع من نفسك صانع ثروة وهو الأهم. ولنستشهد بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه «تسعة أعشار الرزق في التجارة».
* مطور أعمال وقدرات بشرية