أقر وأعترف بأنني أخشى الكتابة عن المجلس النيابي، لا سيما بعد تصريحات السادة النواب بتحويل كل من يتحدث عنهم أو يأتي بذكر سيرتهم إلى القضاء. ولكن الواجب الصحافي يستوجب علينا الكتابة عن كل شيء يخص الرأي العام، وها هي توجيهات قيادتنا للصحافيين تدعو إلى الكشف والإفصاح وتبيان الرأي في كل القضايا التي تهم المواطنين والمقيمين، كما أن قيادتنا تدعو كل الجهات للتعاون مع الإعلاميين.
لا يخفى على أي أحد سبب زيارة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء الأخيرة للمجلس النيابي، حيث قال سموه للسادة النواب في حديث أبوي يدعو إلى اللحمة ولم الشمل «إن من أهم الأولويات هو تركيز الجهود واجتماعها على التقدم والنهوض بالوطن سياسياً واقتصادياً، ومغادرة لغة التنازع والتفرق، فالاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية، ووأد الفتنة والعزوف عن المشادات ضرورة ويجب أن يكون الجميع كدأب هذا الشعب قلبه مليء بالمودة وفكره متسع لقبول الرأي والرأي الآخر»، محذراً سموه من «التأثر بالمهاترات أو أن تدفع لما من شأنه تعميق أي خلاف».
ولكني أعتقد أن بعض السادة النواب الكرام لم يسمعوا أو لم يعوا ما قاله وما قصده رئيس الوزراء رغم أن كلام سموه مباشر وواضح. فما أن رجع السادة النواب «اللهم أجعل كلامي خفيفاً عليهم»، لجلستهم بعد هذا اللقاء الأبوي الناصح والداعي لتجنب الخلافات والتركيز على العمل النيابي الذي يخدم الوطن والمواطن إلا وبدأ العراك مرة أخرى!!
من الأمور التي تعلمتها في حياتي مبكراً «تغليب المصلحة العامة»، أذكر جيداً عندما كنت أنا وأخواني نتشاجر عندما كنا «أطفال» بحكم السن وانعدام الخبرة، كان والدي رحمه الله يتركنا نتشاجر لبعض الوقت، وإذا ما اشتد الشجار يتدخل بعقلانية وبهدوء غريب، ثم يقول لنا رحمه الله «أنتم أخوة، حبوا بعض!! لا تخلون أحد يتشمت فيكم»، كنت حينها «أبغض» هدوء وبرود والدي الذي لم يأخذ لي حقي!! وأستغرب من كلامه «فما دخل الآخرين وتشمتهم بنا»!! كنت حينها طفلة لا أفقه شيئا من فن إدارة الأزمات. وكنت أعتقد حينذاك أن أساليب حل المشكلات تتلخص في إصدار الأوامر في التوقف عن الشجار وحسب، ومعاقبة الشخص المتسبب في الشجار.
وبعد أن نضجت، أدركت ما كان يعنيه والدي!! كان يريدنا أن نتعقل في شجاراتنا «التافهة» وأن «نترفع عن صغائر الأمور»، كان يريدنا رحمه الله أن «نغلب المصلحة العامة» وأن نحافظ على الشكل العام «لأسرتنا وأخوتنا»!!
في حياتنا العادية نتعرض كثيراً للاستفزاز ولكن الإنسان الحكيم هو الذي «لا يعض كلب حاول عضه»، بل أن من علامات المروءة عند العرب «الترفع» والتغافل.
لا ألوم رئيس مجلس النواب عندما قال «هل تريدون أن نرفع الجلسة ونروح البيت أو ندخل في جدول أعمال الجلسة؟»، لا ألومه مطلقاً إن اقترح إنشاء لجنة متخصصة لحل مشاكل النواب!! فمشاكل النواب أصبحت هي الشغل الشاغل، وهي التي تأخذ الحيز الأكبر من جلسات مجلس النواب!! وأصبح السيد النائب يحضر الجلسة وهو «زمران» أو «مبوز» والآخر يحضر الجلسة وهو «متنرفز» والثالث يحضر الجلسة وهو «معصب» حتى بات الجو العام للجلسات «متكهرباً»!!
وإلى السادة النواب أهديكم الكلمات التي كان يقولها لنا والدي رحمه الله عندما كنا نتشاجر لتتأملوها: «أنتم أخوة، حبوا بعض!! ولا تخلون أحد يتشمت فيكم».