ليس هناك أكثر توصيفاً دقيقاً لحالات الضياع التي عاشها ويعيش بعض فصولها شبابنا العربي عبر تاريخه الحديث من كلام أحد المتقاعدين الأمنيين حين قال ومن خلال عمله وخبرته في أجهزة الأمن الاستراتيجية: «حين يذهب غالبية شبابنا العربي إلى الخارج من أجل الدراسة، فإنهم إما أن يعودوا مدمني مخدرات أو كحول أو أنهم ينخرطون في أعمال سياسية وحزبية، وفي كلتا الحالتين، فإنهم أضاعوا بوصلتهم نحو العلم والمستقبل».
هذه ليست قاعدة في كل الأحوال كما إنها ليست تعميماً صريحاً حول هذه المسألة، ناهيك عن أن هذا الكلام كان مع بداية الثمانينيات من القرن المنصرم، لكنه وبكل تأكيد يحمل الكثير من المصداقية حول طبيعة التوجه الخاطئ لدى الشباب العربي في مرحلة مهمة من مراحل تشكيل الذات والمستقبل، فضياع الشباب عادة ما يكمن بين الانحراف السلوكي وبين التوجه السياسي، وهذه هي القصة الكاملة والمشكلة التي يجب معالجتها والوقوف على أسبابها.
كلنا يعرف أن مرحلة الشباب حتى ما بعد التخرج من «المدرسة» هي مرحلة خطيرة وحساسة للغاية، فهذا السن هو السن الذي يمثل معنى الاضطراب وعدم الاستقرار لدى غالبية الشباب، ومن هنا يكون توجيه بوصلتهم نحو المستقبل وتحفيزهم لطلب العلوم والمعارف وقبولهم بالتحدي لاستشراف الغد هو التحدي الحقيقي للمربين والأسر ومنظمات المجتمع المدني وحتى الدولة، أما أن نترك هذه الشريحة الأكثر حماساً وطاقة وقدرة ونشاطاً وحيوية للمجهول أو حتى من دون استثمارهم في بناء أنفسهم وأوطانهم فهذه من أخطائنا الإستراتيجية الكبيرة.
في دول الغرب، لا يمكن من ناحية قانونية التحكم في قرارات الشاب بعد أن يصلوا إلى سن العشرين، لكن قبل ذلك هناك الكثير من العمل من كل الجهات لتهيئتهم وتدريبهم لخوض غمار التحدي، فهناك لا يمكن أن يتركون شبابهم للأقدار أو للأحزاب السياسية أو للمافيات، كي لا يسرقوا أعمارهم ويحطموا مستقبلهم، فلديهم الكثير من العمل الجاد في هذا الإطار إضافة إلى وجود قوانين صارمة من شأنها وضع الشباب على الطريق الصحيح، بعيداً عن لوثات السياسة وخزعبلاتها، وهذا هو الذي يجب أن تنتهجه الدول العربية ومنظماتها المدنية لحماية شبابنا العربي من الضياع أو الانزلاق نحو الكارثة.
إن انتشال شبابنا من وسط التيارات السياسية الدينية المتطرفة وحتى غير المتطرفة من وجهة نظرنا، وإنقاذهم من البيئة المؤدية الى الانحراف السلوكي المتمثل في قضايا المخدرات وغيرها هي مسؤوليتنا جميعاً، فهناك الكثير من الخيارات المعتبرة والمحترمة يمكن لنا أن ننصح بها شبابنا للتوجه نحوها، وهذا يتطلب تشجيعاً رسمياً وشعبياً لهذه الأهداف والرؤى التي تخدم مستقبل شبابنا وأوطاننا معاً، وذلك من أجل غدٍ واعد بعيداً عن كل المسالك الوعرة التي قد تقذف بشبابنا نحو التطرف والهاوية.